احتفالية عام 2015 للسنة الدولية للضوء
2015/02/6
انطلقت احتفالية إعلان العام 2015 « سنة دولية للضوء »، يوم 19 يناير 2015، في مقر اليونسكو بباريس. وشارك في هذا الحدث الذي استمر على مدار يومين، أكثر من ألف شخص وضم عدداً من صانعي القرار وممثلين عن قطاع الصناعة وعلماء رفيعي المستوى من شتى أرجاء العالم.
وتضمن حفل الافتتاح كلمات لخمس دول أعضاء بالمنظمة، وهي التي قدمت مشروع القرار الخاص باليوم الدولي للضوء. وضمن هذه الكلمات كانت كلمة السيد د. زياد الدريس، المندوب الدائم للملكة العربية السعودية، وفيما يلي نصها:
يحتفل العالم اليوم بإعلان العام 2015م ( سنة دولية للضوء ). وقد تتساءلون: ولماذا يُعطى ممثل السعودية هذه الفرصة العظيمة للتحدث في هذا الاحتفال؟ وإليكم الحكاية بإيجاز:
لما بدأت في العام 2013م إرهاصات إعداد قرار جعل العام 2015 سنة دولية للضوء، كانت مسودة القرار الأولية تشير إلى: « أن سنة 2015 تصادف مناسبات ذكرى سلسلة من الأحداث الهامة التي اقترنت بتحديد الخصائص الفيزيائية للضوء، منها اقتراح فرينيل في عام 1815 لمفهوم يحدد الضوء باعتباره موجة، وصدور نظرية ماكسويل الكهرمغناطيسية لانتشار الضوء في عام 1865، وترسيخ مكانة الضوء في علم الكون من خلال النسبية العامة لإينشتاين في عام 1915، واكتشاف إشعاع الخلفية الميكروني الكوني في عام 1965″. و كنت حينذاك نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، وقد تحفّظت عن التوقيع على مسودة القرار بسبب تحيزه لإنجازات وجهة حضارية وحيدة وإغفال ما أسهمت به حضارات أخرى في مجالات الضوء، وتحديداً ما قدمته الحضارة العربية والإسلامية لهذا المجال، و أخص الإنجازات التأسيسية التي قدمها (ابن الهيثم)، والتي يعدّها المتخصصون المرتكز الأولي لأعمال فرينيل و ماكسويل وغيرهما.
وعقب مداخلة لي أمام المجلس التنفيذي عن أهمية العدل بين الحضارات ، قدّمت تعديلاً على مشروع القرار الدولي يثمّن إنجازات ابن الهيثم التأسيسية في علم الضوء، وقد لقي التعديل قبولاً نبيلاً من أعضاء المجلس ليتم تعديل صيغة القرارالمعتمد بصورته النهائية لتصبح هكذا :
« ويحيط علماً بأن سنة 2015 تصادف مناسبات ذكرى سلسلة من الأحداث الهامة التي اقترنت بتحديد الخصائص الفيزيائية للضوء، ومنها تحديداً الأعمال العظيمة لابن الهيثم بشأن البصريات قبل 1000 سنة (في العام 1015)، واقتراح فرينيل في عام 1815 …. » الخ مشروع القرار.
في الوقت الذي كنت أخشى أن يكون هذا التعديل قد أزعج البعض، بسبب هواجس صراع الحضارات الذي يُفرض علينا الآن ، فوجئت بأن اليونسكو تضع اسمي من بين المتحدثين في حفل الإطلاق امتناناً للتعديل الإيجابي على القرار . فلليونسكو ولابن الهيثم وافر الشكر أن وضعوني في هذا الموضع الرفيع ، و لذا فقد تعمدت اليوم أن أرتدي لباسي العربي كي أتشرف برمزية تمثيل ابن الهيثم معكم في هذا الاحتفال الكبير. كما أني أستذكر الآن بأني خريج كلية علوم، قبل أن تجرفني، وغيري كثير من خريجي العلوم والهندسة والطب، رياح الثقافة إلى حيث أنا الآن.
ضيف شرف حفلنا اليوم وسنتنا الدولية هذا العام هو الحسن ابن الهيثم ، الذي ولد بمدينة البصرة العراقية عام 965م و توفي بمدينة القاهرة عام 1040م ، صنع من نفسه رائداً في علم البصريات ، وإليه ينسب مبادئ اختراع الكاميرا. قال عنه البروفسور جون دوبزون صاحب اختراع The Dobsonian telescope وهو بالمناسبة من مواليد 1915 وتوفي في 15 يناير 2014 ونحن الآن في الذكرى المئوية لولادته والذكرى الأولى لوفاته، قال: ( ويعتبر كتاب المناظر لابن الهيثم هو أول دراسة علمية جادة في موضوع الضوء، وابن الهيثم وغيره من علماء العرب، هم أول من فهم موضوع انعكاس الضوء بالمفهوم الجديد، وبمرور الضوء خلال الأجسام المشفة، الأمر الذي كان له الفضل في إرساء قواعد علم البصريات). وهذا ما دعا آخرين كثر للقول إنه لولا التأسيسات البصرية الأولى لابن الهيثم لما استمتعنا الآن بمعطيات الكاميرا والتلفاز والسينما.
السيدات والسادة
لكل حضارة عصورها المظلمة، ولكل حضارة عصر أنوارها أيضاً. فالظلام والنور يراوح بين الحضارات، فإذا أظلم عند واحدة أضاء عند أخرى، ولذا سنجد عند تصفحنا لتاريخ البشرية أن الكون لم يمر يوما بعصور مظلمة شاملة له من شرقه إلى غربه.
تنقّلت عصور الأنوار طوال قرون مديدة بين الحضارات الفرعونية والإغريقية والفينيقية والصينية والهندية وغيرها، و عندما كانت أوروبا تعيش عصورها المظلمة كانت الحضارة العربية والإسلامية تشع بأنوارها من بغداد وقرطبة وسمرقند على العالم كله. و لن تفلح نوايانا الطيبة في الحوار بين الثقافات ما لم نعترف بأن ما نعيشه اليوم من تقدم علمي ومعيشي هو نتيجة لتراكم معرفي صنعته بالتداول كل الحضارات التي مرت على التاريخ البشري، وليس حضارة واحدة فقط .
السيدات والسادة
نحتفل اليوم بالسنة الدولية للضوء والعالم يغشاه الكثير من الظلام !
فبعد أن تفاءلنا كثيراً فأسمينا عصرنا هذا بعصر الأنوار، جاهلين ما سيعقبه من حروب عالمية ووحشية رأسمالية وانحرافات أخلاقية و تدمير غير مسبوق للبيئة . وتتم ممارسة كل هذه السلوكيات غير المتمدنة بشعارات متمدنة وبراقة كإشاعة السلام و مكافحة الإرهاب و إطلاق الحريّات، و نغفل عن أن مكافحة الإرهاب لا تكون بإرهاب مضاد، وأن نعي أيضاً أن هناك فارقاً كبيراً بين حرية التعبير و حرية الشتم.
ألا تخشون من الأجيال القادمة بعد 100 أو 500 سنة أن تسمي عصرنا هذا بالعصور المظلمة / المرحلة الثانية ؟!
إنني آمل أن يكون هذا العام 2015 هو السنة الدولية للضوء .. ليس الضوء الحسي فقط، بل والضوء الروحي والإنساني.
فعالمنا ما زال بحاجة إلى الكثير الكثير من (الضوء)
المصدر: مندوبية ليبيا استناداً لما صدر عن مندوبية المملكة العربية السعودية لدى اليونسكو