استباق الإشكاليات التي قد تشهدها أخلاقيات البيولوجيا في القرن 21
2013/09/28
في إطار الاحتفال بمرور عشرين عاماً على إنشاء برنامج أخلاقيات البيولوجيا لليونسكو، اجتمع عدد من الخبراء من مناطق مختلفة من العالم في مقر المنظمة بباريس في 6 سبتمبر الجاري. وتمثل الهدف من اجتماعهم هذا في التفكير في الإنجازات التي أُحرزت وفي الاستعداد لمواجهة مستقبل أخلاقيات البيولوجيا على الصعيد العالمي خلال العشرين عاماً المقبلة، فضلاً عن الدور الذي يتعين على اليونسكو الاضطلاع به في هذا المجال.
أُنشئ برنامج أخلاقيات البيولوجيا لليونسكو منذ عقدين، وذلك عندما أتاح لنا التقدم الذي أحرزه علماء اختصاصيون، ولاسيما في مجال الكشف عن الرصيد الوراثي لكل فرد منا، أن نكتشف الوحدة الأساسية لكل أفراد الأسرة البشرية. غير أن هذا الاكتشاف قد مهد السبيل في الوقت عينه لاستخدام هذه المعارف الجديدة.
وأفضى ذلك إلى نشأة أخلاقيات للبيولوجيا ذات طابع عالمي استهدفت توجيه التقدم المحرز في علوم الصحة وعلوم الحياة من أجل تحسين رفاه النساء والرجال. وأعدت اليونسكو وثائق قانونية فريدة على المستوى الدولي، مثل الإعلان الدولي بشأن البيانات الوراثية البشرية، والإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان؛ كما أنشأت أول هيئة تداول عالمية ومتعددة التخصصات والثقافات في مجال أخلاقيات البيولوجيا، ألا وهي: اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا.
ما هي التحديات الرئيسية في مجال أخلاقيات البيولوجيا التي سنواجهها في العشرين عاماً المقبلة؟ يرى البعض أن الإجابة تكمن في تزايد أوجه عدم المساواة في توزيع الموارد، أو في ضرورة الكفاح من أجل توفير فرص متكافئة للجميع كي ينتفعوا بخيرات العلم والتكنولوجيا، ولاسيما في مجال الصحة. وجاء في تصريح لأحد الخبراء أن أخلاقيات البيولوجيا نشأت كاستجابة للتقدم السريع الذي حققته العلوم الطبية والتكنولوجيا، بيد أن التحدي الرئيسي المطروح اليوم في مجال أخلاقيات البيولوجيا إنما يتمثل في السلطة والمال.
ومن جهة أخرى، ذهب بعض الخبراء إلى أن التحدي الرئيسي في مجال أخلاقيات البيولوجيا في المستقبل إنما يكمن في التوتر القائم بين الحفاظ على الحرية على المستوى العلمي وبين الجهود التي ينبغي بذلها للتحكم في العلوم والتكنولوجيا وتنظيمها. وأشار البعض الآخر إلى الأهمية المستمرة لإشكاليات أخلاقيات البيولوجيا الأساسية في ما يتعلق بالهوية والتفرد، والفرق بين الإنجاب والإنتاج، والعلاقات بين الأجيال، فضلاً عن ضرورة البحث عن أدوية لعلاج الأمراض التي تصيبنا.
وقد لوحظ أيضاً أن إدارة الابتكارات العلمية والتكنولوجية تبتعد أكثر فأكثر عن الحيز العام. ومع التسليم بأن النظام الدولي الحالي يستند إلى فكرة الدول ذات السيادة التي تقع عليها أساساً مسؤولية فرض احترام الحقوق الأساسية لمواطنيها، فإن الخبراء اعترفوا بأن الابتكارات العلمية تتسم بطابع عبر وطني وخاص بشكل متزايد، وحثوا اليونسكو على إيجاد الوسائل الكفيلة بجمع الأطراف الفاعلة غير الحكومية التي تتوافر لها معارف علمية، مثل الشركات الخاصة، والمنظمات المهنية، والمنظمات غير الحكومية ومعاهد البحوث، وذلك حول إطار من الإدارة الأخلاقية.
كانت أخلاقيات البيولوجيا تقليدياً مجالاً للمعرفة التفاعلية التي تستجيب بعدياً للاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وذلك من خلال تقييم الآثار السلبية والعمل على تفادي تكرارها. ويرى الخبراء أن مهمة أخلاقيات البيولوجيا في القرن الحادي والعشرين إنما تتمثل في تحسين النهج الاستباقي لهذا الفرع تحسيناً كبيراً. كما اتفق جميع المشاركين على هذه النقطة ـ وهي أن العلوم في القرن الحادي والعشرين سيكون من شأنها أن تغير بشكل عميق طريقة معيشتنا. أما المعارف التي تزدهر ازدهاراً هائلاً في جميع مجالات البحوث، ولاسيما في مجال العلوم البيولوجية وعلوم الحياة، فإنها تدفع باستمرار حدود ما يمكن أن نفعله إلى ما هو أبعد. ومع ذلك، فإن العلوم لا يتوافر لها توجه أخلاقي متأصل ـ فهي لا تجيب عن السؤال المتعلق بما ينبغي لنا أن نفعله. وعليه، فمن أجل ضمان وجود كائنات بشرية وكوكب تعيش فيه، يجب أن يستمر التفكير الأخلاقي في مواكبة البحث العلمي والابتكار التكنولوجي.
المصدر: اليونسكو