الحروب في القرن الحادي والعشرين (2003ـ2014): حق التدخل، مسؤولية الحماية، وبعد؟
2014/08/5
انعقد في مقر اليونسكو يوم 27 فبراير 2014 مؤتمر حول الحروب في القرن الحادي والعشرين (2003ـ2014)، بتنظيم من جامعة الأمم المتحدة وبحضور عدد من الشخصيات المهمة من السياسيين والسفراء والدبلوماسيين وأساتذة الجامعات، ومن بين هؤلاء: بيرنار كوشنر وزير الخارجية الفرنسي في عهد الرئيس نيكولا سركوزي، ودومينيك دو فيلبان وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء الفرنسي في عهد الرئيس جاك شيراك، ومحمد البرادعي الرئيس السابق لمنظمة الطاقة النووية والمترشح السابق للرئاسة في مصر. وقد نُظّم هذا المؤتمر في ثلاث جلسات عمل.
الجلسة الأولى
ترأست الجلسة السيدة « ماريا لورا داروتشا » سفيرة البرازيل لدى اليونسكو، والتي أكدت على أهمية الدبلوماسية وبناء التوافق، لأن الحل العسكري للأزمات السياسية والاجتماعية لم يعد لديه مصداقية ولا يمكن أن ينجح حيث تنجح الدبلوماسية.
أعطيت الكلمة للسيد فرنشيسكو بندارين ممثل المديرة العامة لليونسكو؛ الذي رحّب باستضافة اليونسكو لهذا المؤتمر، وأشار إلى أن اليونسكو فخورة باستقبال عدد من الأخصائيين ومن العارفين في النزاعات المعاصرة وفي التاريخ. وقد أكّد على أن السلام لا يمكن أن يبنى إلا عن طريق التفاهم المتبادل، والحوار بين الثقافات وتقاسم المعارف، وأن النزاعات المعاصرة قد تغيرت من حيث الشكل، فهي تندلع ليس فقط بين الدول وإنما في كل مجتمع، والمدنيون أصبحوا في الواجهة وكذلك المواقع الثقافية والمدارس مستهدفة.
ثم أعطيت الكلمة للسيد دانيال روندو ممثل جامعة الأمم المتحدة، الذي أشار في حديثه إلى أن الحرب مازالت من مواضيع الساعة لأنها ترافق مصير البشر، وأشار إلى قول ألبركامو: « إن التاريخ لطالما كان شائقاً ولكنه مخيفاً »، وأنه منذ حريق مدينة طروادة نجد دائماً في العالم مدينة تحترق، واستشهد بالكاتب الفرنسي (جوستاف فلوبير) الذي كان قد تنبأ بعودة حروب الأعراق في القرن العشرين وكذلك النزاعات الفظيعة. أوضح دانيال روندو أن الإنسان دائماً متحمس للتحرّر من كل قوى الشر، فالحروب الداخلية في هذا القرن، كما في أفغانستان، العراق، ليبيا، مالي، الصومال، افريقيا الوسطى، وسوريا، وكذلك الحروب بين الدول حلت مكانها الحروب اللامركزية التي لا يمكن التحكم بها. وأضاف أن هذه الحروب الجديدة في القرن الحادي والعشرين تطرح أسئلة جديدة، كيف باستطاعة المجتمع الدولي مواجهة هذا النوع الجديد من النزاعات؟ أين المجتمع الدولي من حق التدخل والمسؤولية، مسؤولية الحماية؟ أين تتوقف حدود وسيادة الدول؟ وهل بالاستطاعة محاربة الشر؟ كيف يمكن مواجهة المتسببين بالحروب؟
ثم تحدث السيد ديفيد مولون رئيس جامعة الأمم المتحدة الذي أكد على أهمية هذا الاجتماع، حيث أشار إلى أن جامعة الأمم المتحدة عمرها أربعين سنة اليوم، وأنشئت لتكون مركزاً للبحوث تابعاً للأمم المتحدة (THINK TANK) ومحفلاً للتفكير ولتبادل الآراء والبحوث، ومنذ ذلك الحين اتسعت رقعة تواجد الجامعة، من اليابان حيث يوجد المقر، إلى أن أصبحت متواجدة في سبعة عشر دولة جديدة مع مراكز للبحوث ومكاتب، تتطرق بحوثها إلى مواضيع علمية لها رابط مع التنمية دائماً لأن انطلاقتها في البداية كانت تهتم بالدول النامية التي أصبح عدداً كبيراً منها من الدول الناشئة اليوم. وأشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة خافير بيرس دوكولار قد واجه بشكل مباشر الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وتحداها من أجل وضع حدٍّ للحرب العراقية الإيرانية. وأوضح مولون أن الخلافات الحاصلة حالياً بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن حول سوريا وأوكرانيا يمكن تجاوزها بالحوار.
الجلسة الثانية
كانت منسقة النقاش السيدة إليانورا ميتراخانوفا/ المندوبة الدائمة للإتحاد الروسي لدى اليونسكو، التي أشارت في مقدمة الجلسة إلى أهمية هذا الاجتماع في اليونسكو لمناقشة مسألة هامة للغاية وهي النزاعات وكيف تستطيع الأسرة الدولية أن تواجهها.
ثم تحدث برنارد كوشنر وهو سياسي فرنسي معروف، بدأ حديثه بالاستشهاد بمقولة السيد خافير بيرس دوكولار « لقد نقصني شيء في مهمتي ألا وهو حق التدخل »، وأكد كوشنر أن ضحايا الصراعات الداخلية هم مدنيون بنسبة 95 في المئة على الأقل، وفي رأيه أن التدخل مسألة إنسانية ينبغي القيام بها من قبل المجتمع الدولي في حالة النزاعات المسلحة لحماية المدنيين وأن مسؤولية الحماية هي مسؤولية مشروعة، وأشار إلى النزاعات التي حدثت في رواندا والعراق وجنوب السودان وإلى ما يحدث حالياً في سوريا.
وتحدثت فاتو بن سودة، وهي محامية غامبية كانت مدعية دولية ومستشارة قانونية، من المدعيين الرئيسيين في محكمة الجنايات الدولية منذ 2004، مشيرة إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية سعت الأسرة الدولية إلى إنشاء مؤسسة لمعالجة الجرائم الفظيعة التي صدمت ضمير الإنسانية، وبيّنت أنه قد تم إنشاء محكمة الجنايات الدولية في روما عام 1998 لمساءلة مقترفي الجرائم الكبرى ولتفادي الجرائم المستقبلية بإنشاء نظام مترابط على أساس مبادئ التكامل والتعاون، وأكدت على أن هدف مسؤولية الحماية هو القضاء على الجرائم الفظيعة واسعة النطاق التي تحدث في العالم.
ثم أعطيت الكلمة للسيد إيجور إيفانوف، وهو رجل سياسة روسي مشهور وكان عضواً في الحكومة الروسية حتى عام 2004، وكان يعارض غزو العراق من قبل الولايات المتحدة.
أوضح إيفانوف أنه من المهم تحليل حالات النزاع في كل من أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وغيرها لأن لكل نزاع تاريخه الخاص وديناميكيته الخاصة، ولكن هناك جانب يُعدّ قاسماً مشتركاً وهو عجز المجتمع الدولي على تفادي هذه النزاعات والقتل والدمار، وأن تحليل هذه النزاعات مطلوب من أجل التوصل إلى استنتاجات مشتركة لتهيئة المستقبل ولعدم تكرار نفس الأخطاء.
وبعد ذلك تحدّث محمد مصطفى البرادعي، وهو محامي ودبلوماسي مصري، الذي أكّد على أنه يجب النظر للموضوع بشكل شامل لأن كل التدابير التي تتخذ في مكانٍ أو آخر لها أثرُ على مكان أو منطقة بعيدة، مستشهداً بالإبادة التي حدثت في رواندا، داعياً المجتمع الدولي للإقرار بالواقع لإيجاد طريقة للتعايش السلمي بين البشرية جمعاء دون التناحر والاقتتال. وشدّد على أن الوضع السياسي العالمي في تدنٍّ حيث تم إدراج 126 دولة على قائمة الدول التي ستصبح فاشلة، وهي التي لا تستطيع أن تنظم الحياة فيها بشكل يسمح بضمان الأمن والاستقرار وصون كرامة الإنسان، حيث يوجد ملايين البشر الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وقد تفشّت الأمراض والأوبئة بالرغم من الأموال التي تسخّر لدعم البحث العلمي.
ثم أخذ الكلمة دومينيك دوفيلبان وهو رئيس وزراء فرنسا من 2005 حتى 2007 ودبلوماسي في أوائل الثمانينيات. بدأ مداخلته بطرح بعض الأسئلة مثل: كيف يمكن أن نواجه الحرب، وهل لدينا واجب للحماية وكيف السبيل للتدخل من أجل الحماية؟ وأكد على أهمية الاستفادة من التجارب السابقة.
وتساءل دوفيلبان هل بالإمكان محاربة الشر؟ وهو يرى أن الحرب ضد الشر ليست بالضرورة هي الحل الأفضل لأنها قد تؤدي إلى زيادة الشر، أو إنها قد تستبدل هذا الشر بمخاطر أخرى وبشرور أخرى؟ وأكّد أيضاً أن استعمال القوة لا يمكن أن يأتي بأي خير ويجب أن يكون الملاذ الأخير، وفي الحالات الطارئة.
وأضاف دوفيلبان أن ما يجري في العالم اليوم هو عسكرة لكل الحلول السياسية التي تقترحها الدول، واتهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تتصرف من طرفٍ واحد وبمبادرة أحادية الجانب بدعوى أن لديها أفضلية القوة. وفيما انتقل الأوروبيون في السنوات الأخيرة إلى السياسات نفسها والتحرك نفسه، فهم الأمريكيون أن استعمال القوة لا يمكن أن يكون ناجعاً. ومن وجهة نظر دوفيلبان أن استعمال القوة يعني استقالة السياسة، واستقالة الدبلوماسية أو تقاعس الدبلوماسية والسياسة.
وانتقد تدخل الولايات المتحدة في العراق واعتبره خطأ كبيراً، وأشار إلى أن المجتمع الدولي تدخل في ليبيا من أجل مواجهة ديكتاتور، أي مواجهة الشر الأكبر، وعندها تفككت كل مؤسسات الدولة، وعاد الشر وتكاثر في كل أنحاء البلاد وكذلك في البلاد المجاورة. ركّز دوفيلبان في حديثه على الدبلوماسية وفنّها في مواجهة الصراعات الداخلية وأن تطبيق مسؤولية الحماية لم يكن بالشكل الصحيح بسبب عسكرة العقليات وعسكرة السياسات، فمسؤولية الحماية كانت حقاً دولياً يُطبّق عبر تحرك جماعي لأسباب إنسانية إلا أنه قد تم فيه استعمال القوة وهذه الأخيرة قد ابتلعت الطابع الإنساني للتدخل.
ثم أعطيت الكلمة إلى شازد كاد، وهو دبلوماسي صيني كان مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤولاً عن دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية من 2007 حتى 2012، وتقلد عدة مناصب أخرى مهمة. أكد في مداخلته أن قمة الأرض لسنة 2005 نصّت على مسؤولية التدخل للمرة الأولى، وتُبنى هذه المسؤولية على العناصر التالية: أولاً على الدولة أن تتحمل المسؤولية لحماية مدنييها. ثانياً: مسؤولية التدخل لا تطبق إلا في حالات جرائم الحرب والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وبعد أن تكون قد استنفذت كل الوسائل السلمية لحل نزاع ما. ثالثاً: إن استعمال القوة يجب أن يُجاز من طرف مجلس الأمن، وأن يقرّر بالنسبة لكل حالة على حدة، هذه هي الأركان التي تمثل عناصر مسؤولية التدخل في الأمم المتحدة. وأضاف شازد كاد أن الحرب في العراق وفي ليبيا وفي سوريا طرحت أسئلة حول موضوع مسؤولية التدخل، البعض اعتبر واعتقد أن الغارات في ليبيا هو مثال ناجح لمسؤولية التدخل، أما البعض الآخر فاعتبر أن هذا النوع من التحرك، أي الغارات العسكرية للناتو، كانت عائقاً لمسؤولية التدخل ومسؤولية الحماية. إذن كيف السبيل لتحقيق التوازن بين هذين الموقفين؟ البعض تحدث عن سيادة الدول، وأكد أنه ينبغي أن تصان سيادة كل دولة ولكن الدول الأخرى يمكن أن تستعمل مسؤولية الحماية إذا ما تم انتهاك كبير لحقوق المدنيين.
وفيما يتعلق بليبيا فقد انتقد عدم الأخذ بوساطة الإتحاد الإفريقي وقيام الناتو بشن غارات على ليبيا مما منع الوساطة من طرف الإتحاد الإفريقي، وتساءل من يكون مسؤولاً عن مسؤولية الحماية؟ ولمن المساءلة؟ البعض يعتبر أن الناتو قد أساء استعمال الترخيص من طرف مجلس الأمن من أجل التدخل، وأن تدخل الناتو لم يكن من أجل حماية المدنيين بل من أجل الإطاحة بالنظام. وقد أدى التدخل إلى تدمير البنية التحتية، وإلى زيادة التطرف، وأدى أيضا إلى انتشار الأسلحة في كل المنطقة.
ثم أعطيت الكلمة للسيد سيرجو دكويرس دواردتي، وهو دبلوماسي برازيلي سابق، كان الممثل السامي للأمم المتحدة لنزع السلاح، وركز في عمله على شؤون نزع السلاح.
انطلق في مداخلته بمحاولة الإجابة على عنوان هذا الاجتماع: « محاربة الشر »، وأكد أن الشر ينبع من العمل الإنساني، والتاريخ الحديث مليء بالأمثلة عن عدم احترام حقوق الإنسان وخاصة عدم احترام العدالة، وللأسف فإن الإنسانية تنسى بسرعة الدروس التي تستخلصها. أوضح مثلاً أن الجمهور الأمريكي لم يعد يهتم بحرب العراق ، وفي هذا الإطار أشار إلى قول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس في تصريح له « بأن أي وزير دفاع أمريكي في المستقبل يوصي بإرسال الجيش الأمريكي إلى بلد في آسيا أو في الشرق الأوسط ينبغي أن يعرض على الطبيب النفسي». وألمح إلى أن الوثيقة الختامية التي تم اعتمادها بالإجماع في القمة العالمية في 2005 قد سعت إلى وضع حدود للتدخل العسكري لأسباب إنسانية كي يطبق ذلك التدخل في حالات الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وبالتالي تلتزم الدول بتطبيقها، وأن المسؤولية تمارس على مستويات ثلاثة، 1ـ مستوى الدولة 2 ـ مستوى المجتمع الدولي لمساعدة الدولة للإيفاء بمسؤولياتها أمام شعبها 3 ـ واجب المجتمع الدولي للتدخل بشكل حاسم وفي الوقت المناسب بالطرق السلمية وبالطرق القسرية إذا كانت هناك ضرورة لذلك عندما تكون الدولة عاجزة أو غير راغبة في ممارسة مسؤولياتها هذه.
ثم أعطيت الكلمة للسيد فرنشسكو بندارين الذي ركز على أن التدخل مهم في حالة النزاعات لحماية التراث ومؤسسات الثقافة مثل المعاهد والمؤسسات العلمية في أماكن النزاعات ناهيك عن المدنيين، وتساءل هل الأدوات المتوفرة لدى المجتمع الدولي كافية من أجل معالجة أوضاعاً تخرج عن التحكم والرقابة؟ وأشار أنه للمرة الأولى تم التركيز على الثقافة كصورة وكهوية للشعوب، فمن خلال هذه الكوارث خرجت الأدوات التي تُطّبق الآن: اتفاقية لاهاي، اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع نزاعات مسلحة، كما تم في السنوات الأخيرة إيجاد أدوات أخرى متعلقة باتفاقية التراث غير المادي، وأدوات أخرى وضعت من أجل حماية التراث الثقافي وليس بالضرورة من الكوارث بل لأجل صونها من الأخطار.
الجلسة المسائية
أعطيت الكلمة للسيد جون دافيد لافيت، وهو سفير فرنسا في واشنطن من 2002 إلى 2007 والمستشار الدبلوماسي للرئيس نيكولا سركوزي من 2007 إلى 2012، الذي ركز في حديثه على وضع الحرب في ليبيا وتدخل الناتو آنذاك، حيث أشار إلى أنه عندما قام القذافي بقمع المتظاهرين طلب منه الرئيس سركوزي ما يلي: «أنت كنت موجوداً مع الرئيس شيراك عندما وقعت مجزرة سبرينيتشة، فلذلك أطلب منكم تقريراً حول هذا الموضوع» وكتب الرئيس سركوزي مذكرة وقال : «أن هناك ثمانية آلاف شخص قد قتلوا في سبرينيتشة في صربيا وإذا ما وقع القمع على مدينة بنغازي فإن ذلك سيؤدي إلى ثمانين ألف قتيلاً، وأنا لا أستطيع أن أقبل بذلك، فقلت له: السيد الرئيس إن الانتخابات الرئاسية تجري بعد سنة، وأنت تتحدث عن حرب، فأجاب وماذا سيحصل إذا استمر الرئيس القذافي في سخريته من المجتمع الدولي حتى بعد السنة؟ وماذا سنفعل إذا لم نقم بشيء، وإذا ما وقع ثمانون ألف قتيلاً، ماذا ستقول الأسرة الدولية؟» وأشار لافيت إلى أن الرئيس سركوزي اتخذ هذا القرار لأسباب أخلاقية، وبالتالي تمت العودة إلى مفهوم مسؤولية الحماية والفكرة التي سبقتها، أي حق التدخل، وهي الفكرة التي نادى بها كوشنر وتم تحويلها إلى مفهوم ضرورة الحماية؛ حماية المجتمع، والمدنيين. وبناء عليه سعى الرئيس سركوزي إلى إيجاد تحالف دولي، وتم تحديد أربعة شروط للنجاح في هذه العملية: 1ـ أن يكون هناك نداءً موجهاً إلى الأسرة الدولية بالتدخل وإلا فما هي الحجة التي يتذرع بها المجتمع الدولي للتدخل، وبعد ذلك بأيام أُنشِئ المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في بنغازي وفرض نفسه كمتحدث يمثل الرأي الليبي. 2ـ أن تقوم المنظمات الإقليمية بتقديم الدعم لهذا النداء النابع من الشعب الليبي، وهذا ما حصل فعلاً حيث اتخذت جامعة الدول العربية موقفاً واضحاً وقوياً وطلبت بدورها تحديد هذا النطاق للحظر الجوي. 3ـ أن يصدر قراراً من مجلس الأمن يكلّف تحالفاً دوليّاً من المتطوعين للتدخل وذلك في إطار الباب السابع من الميثاق. 4ـ ألا تعمل فرنسا وحدها، ولكن أن تقوم بذلك بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء وهذا ما حصل فعلاً لأن هناك دولاً أوروبية قد انضمت إليها ثم كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وثلاث دول عربية، وكان هذا أمراً هاماً للغاية حتى لا يقال أن الغرب يدخل في حرب صليبية جديدة، وإنما مجموعة من الدول ومنها دول عربية تود أن تحمي الشعب الليبي، وهكذا فإن الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة قد انضمت إلى هذا التحالف وبالتالي فإن مسؤولية الحماية قد عرفت خطة هامة تم تطبيقها بشكل بارع، لأن العمليات العسكرية التي حصلت بعد ذلك أوقعت الحد الأدنى من الضحايا المدنيين، وهذا التدخل كان منسجماً مع القرار 1973. ويعتبر لافيت أن هذا القرار شيء استثنائي في حياة الأمم المتحدة؛ أولاً لأن ممثل ليبيا في منظمة الأمم المتحدة بدلاً من أن يعارض هذا القرار طلب من مجلس الأمن أن يصوت عليه، وأن يدين رئيسه، أي معمر القذافي. وقد صفق كل الممثلين العرب الذين كانوا موجودين في القاعة بحماس لموقف هذا السفير الذي انتفض ضد رئيسه. وأكد لافيت أن القذافي لم يكن يستمع إلى النداءات الدولية التي كانت تطالبه بوقف القتال والجلوس لطاولة الحوار، ولكن كان يستمع فقط لرأي أبنائه ومعاونيه.
وأضاف أن مسؤولية الحماية قد عرفت لحظة مجدٍ فعالة وإيجابية في ليبيا ولكن أيضاً مع الأسف عرفت حدودها ونهايتها إلى حد كبير بالنسبة للذين كانوا يبحثون عن أسباب لوضع حق المعارضة وحق النقد على كل تدخل في الوضع السوري، لوضع حدٍ للمأساة السورية.
ثم أعطيت الكلمة للسيد دافيد مالون الذي تحدث عن الدور الذي لعبته كندا بشأن مفهوم مسؤولية الحماية، وأعطى بعض الأفكار حول الطريقة التي يمكن بها تطوير هذا المفهوم ما بعد أزمة ليبيا، أي في سوريا وكيفية الاستعانة بمجلس الأمن الدولي.
أشار السيد مالون بخصوص مسؤولية الحماية إلى النقاش الذي جرى في الأمم المتحدة في العام 1999 عندما حدث خلاف بين بلدان الناتو وبلدان الإتحاد الروسي حول كوسوفو، وفي نهاية المطاف قررت بلدان الناتو أن تتحدى تهديد الفيتو من قبل روسيا وعلى هذا الأساس تصرفت بلدان الناتو وحسمت المسألة في إطار مجموعة الثماني، مما أسفر على حسم هذه المشكلة في إطار مجلس الأمن بإشراك روسيا مجدداً. إذن فالمشكلة الآنية تم حلها ولكن السؤال العالق هو ما إذا كان يحق لبلدان الناتو أن تتدخل لحقن دماء المدنيين، هل كان لبلدان الناتو أن تغفل قرار مجلس الأمن الدولي في سبتمبر 1999؟ وفي إطار الأمم المتحدة، وبعد نقاش بين الأمين العام ولجنة الخبراء تم التوصل إلى مفهوم مسؤولية الحماية التي تجنب الشعوب الحروب الأهلية. وأكد السيد مالون أن السيادة هي مفهوم جوهري في العلاقات الدولية، ولكنه مفهوماً عاماً جداً والمجتمعات لا تعمل على هذا الأساس، فلكل مجتمع أوضاعه الخاصة، ولا يجوز أن يكون هناك نموذج عالمي لحل النزاعات الدولية، يجب البناء على الممارسات وهناك أفراد يمكن وضع الثقة فيهم مثل السيد الأخضر الإبراهيمي، وبرنارد كوشنر، والسيد سيرجو دي ميلو، ولكن ليس هناك حلاً يمكن أن ينطبق على كل الحالات، بل لكل حالة أوضاعها وخلفيتها الخاصة.
ثم أعطيت الكلمة للسيد ماتس بردال، وهو أستاذ في الأمن والتنمية في قسم دراسات الحرب في (King’s College London)، الذي أوضح أن مسؤولية الحماية هي الفكرة القائلة بأن الدول لها مسؤولية مشتركة لحماية السكان المدنيين من وقوع فظائع وجرائم، أي عبر استعمال القوة ولكن هذا لا يعني أن هناك إجماع وتوافق عالمي حول هذا الموضوع، ولذلك فإن الأسرة الدولية ستتدخل عندما تقع هذه الجرائم والفظائع، وهذا إنجازٌ جيد، ومن غير الممكن أن تتصرف الحكومات إزاء شعوبها باعتبار أن قضاياها قضايا داخلية بحثة. وأكد السيد بردال أنه تم اعتماد مبدأ مسؤولية الحماية كمعيار قانوني معترف به، فهناك الكثيرون الذين كانوا يعتبرون أن المسؤولية القصوى فيما يتعلق بارتكاب الفظائع تقع على الدولة المعنية. وأشار إلى أنه من خلال النقاشات حول هذا الموضوع تم السعي للخروج بمفهوم جديد يسمح بتفادي وقوع إبادة جديدة كتلك التي وقعت في رواندا، إلا أن لذلك النقاش تداعيات حتى يومنا هذا؛ من ينبغي أن يتدخل؟ كيف يتدخل؟ من يحدد من يتدخل؟ ومتى يتدخل؟ ما هو الهدف المنشود من وراء التدخل؟ هل هو الإصلاح، إعادة البناء، الأمن والاستقرار أو تغيير النظام؟ هذه كلها من الأمور التي طرحت أثناء هذا النقاش ولم تحسم منذ ذلك الحين وهناك مسائل تمت إثارتها متعلقة بالانتقائية، فيما يتعلق بمسارح التدخل وتجاوز التفويض الممنوح. وهناك مسألة أخرى يجب التوقف عندها، وهي محاولة التركيز دائماً على الحماية دون الأخذ بالاعتبار الجوانب السياسية، وهو تجاهل لمسببات هذا الوضع المتأزم، والتي هي مسببات سياسية الطابع، وبالتالي لا يمكن أن نقول بأن هناك حلول عسكرية أو سياسية أو قانونية مثلى للتعاطي مع هذه الأوضاع. وعرّج السيد بردال على ما قاله جون ديفيد لافيت، بخصوص ليبيا، حيث أكد أنه لم يكن أحدٌ يفكر جدياً في التدخل على الأرض، إلا أن هناك عاملٌ دفع البريطانيين والفرنسيين إلى التدخل وهو احتمال سقوط بنغازي، وبالتالي، ينبغي أخذ الحيطة والحذر قبل التدخل.
وقد اتضح من خلال هذا العرض البسيط تباين آراء المتدخلين، فهناك من ينادي بفكرة التدخل في حالات جرائم الحرب والنزاعات الداخلية تحت مسمى مسؤولية الحماية، وهناك من يرفض فكرة التدخل ومسؤولية الحماية وأن مفهوم هذه الأخيرة يقع تحت هدف التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وانتهاك سيادة الدول بذريعة مسؤولية الحماية لأغراض إنسانية. وهناك من يؤكد أن المجتمع الدولي انتقائي فيتدخل في بعض الدول ولا يتدخل في أخرى، وضرب مثلاً بأن التدخل في ليبيا كان عملية انتقائية في الوقت الذي لم يتدخل المجتمع الدولي في الكونغو أو عندما حدثت الإبادة في رواندا أو ما يحدث في جنوب السودان. ويمكن أن نستخلص أنه كان هناك شبه إجماع في الآراء يؤكد على وجوب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته إزاء ما يحدث من نزاعات في بعض الدول وأن يُغلب جانب الحوار والدبلوماسية على الجانب العسكري واستعمال القوة. وقد دارت بعض النقاشات وأعطيت الكلمات لبعض الحاضرين في القاعة حيث علقوا على المداخلات وركزوا في أغلب نقاشهم على عملية التدخل في ليبيا ولماذا تمت بسرعة بينما لم تكن هناك استجابة أو نية للتدخل في نزاعات أخرى.
واختتمت المديرة العامة لليونسكو، السيدة إيرينا بوكوفا، المؤتمر بكلمة أثنت فيها على المحاضرين وعلى قيمة النقاش الذي دار في هذا الاجتماع من أجل إيجاد آلية واضحة لفهم مسؤولية الحماية وعملية التدخل.
المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو