اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه

2013/08/23

يصادف اليوم (23 أغسطس) اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه. ويتم في مثل هذا اليوم من كل عام الاشادة بالنساء والرجال الذين ناضلوا في سبيل إلغاء الاتجار بالرقيق الأسود. وتسعى اليونسكو في هذه المناسبة إلى تعزيز التفكير والنقاش حول المأساة التي تركت بصماتها على العالم، ولا زالت أثارها ماثلة إلى اليوم.

لقد كانت تجارة الرقيق رائجة منذ القرن السادس الميلاد والى وقت قريب جلبت الويلات على الأفارقة – على وجه الخصوص – وأدت إلى ترحيل إعداد غفيرة منهم عن أوطانهم، واستعبادهم في أجزاء مختلفة من العالم. ولكي لا ننسى هذه المأساة، أطلقت اليونسكو في عام 1994 في (أوبدا/ بنين) مشروع طريق الرقيق؛ المقاومة، الحرية، التراث. ويهدف هذا المشروع إلى تلبية الالتزام التاريخي والاستحقاق الأخلاقي تجاه هذه المأساة، والتصدي لها بشكل كلي وبطريقة منهجية تناسب هذا الفصل المؤلم من تاريخ البشرية.

لقد ساهم الرقيق من خلال نضالاتهم من أجل الحرية والكرامة في خلق عالمية حقوق الإنسان، وسجلوا بذلك قصصاً في البطولة والفداء تشع في مآثر الإنسانية وذاكرتها.

لقد تشكل عالمنا الحديث عن طريق الرأس المال المتراكم من التجارة العالمية التي كانت رائحة في القرون الماضية، وعناصر انتاجها للرقيق الأسود اللذين قاموا بدور فعال في عملية التصنيع في كل من أوروبا والأمريكيتين، وهم – أي الرقيق – لم يكونوا بعيدين عن بؤرة التأثير في التفاعلات الثقافية التي غدت الابداعات الفنية الحديثة، وساهمت في إثراء الحركات الاصلاحية في مجال حقوق الإنسان.

من خلال مشروع طريق الرقيق، سلطت اليونسكو الضوء – أيضاً – على الحوار بين الشعوب من مختلف القارات، والتي أدت إلى ظهور أشكال جديدة من التعبير الثقافي ساهمت في تنوع استثنائي في العالم ذو قوة ابداعية وقدرة عالمية لإعادة اكتشاف الذات على الدوام.

وبعيداً عن كونه شيئاً من الماضي فإن مسألة الرق وتجارة الرقيق تهمنا جميعاً؛ فهي تشرك الأجيال الشابة – التي استقبلت هذا التراث – في النضال ضد العنصرية والتمييز وإزالة أثار العبودية المتبقية من أزمان غابرة.

أن العبودية التي شهدها العالم في العصور السابقة تقف أثارها في تحد للأجيال المعاصرة، لأنها تثير تساؤلات حول العديد من القضايا التي تواجهنا اليوم؛ مثل: المصالحة الوطنية، واحترام التعددية الثقافية والهوية والمواطنة في عالم متغير.

أن الاحتفاء باليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه هو دعوة إلى الناس في جميع أنحاء العالم أن يتذكروا هذه المأساة الإنسانية التي عاشها البشر في العصور السابقة، ويتفكروا في عواقبها الوخيمة، وتأثيراتها على المتطلبات الجديدة للعيش معاً في مجتمعات متعددة الثقافات، وعلى أساليب مكافحة الأشكال المعاصرة للعبودية التي يعاني منها ملايين البشر في الوقت الحاضر.

رسالة من السيدة إيرينا بوكوفا،المديرة العامة لليونسكو
 في 23 أغسطس، وهو تاريخ تمرد العبيد في جزيرة سانتو دومينغو، تحتفل اليونسكو باليوم الدولي لذكرى الاتّجار بالرقيق الأسود وإلغائه.

إن نقل هذا التاريخ، جيلاً بعد جيل، إنما يندرج في صميم جهود اليونسكو من أجل بناء السلام، والحوار بين الثقافات، والتفاهم. فقد أنزل الاتّجار بالرقيق الأسود الملايين من البشر إلى مرتبة السلع التجارية: وتتخذ هذه الجريمة طابعاً عالمياً يقوّض أركان الحضارات ذاتها. ومن ثم، ينبغي أن يعرف الجميع مغزى هذا التاريخ والتداعيات الناجمة عنه؛ كما يجب تدريسه في المدارس وفي ما وراء حدود المدارس، أي أن يُنشر في وسائل الإعلام وفي الأماكن العامة.  وتشارك اليونسكو في هذه الجهود من خلال إعداد المعلمين ودعم البحوث وصون التراث الثقافي والوثائقي.

ومن خلال مشروع طريق الرقيق، تسعى اليونسكو إلى إبراز ضخامة هذه المأساة الإنسانية والآثار الناجمة عنها، وكذلك ثراء التقاليد الثقافية التي أرستها الشعوب الأفريقية بالرغم من كل الشدائد، وذلك في مجالات الفنون والموسيقى والرقص والثقافة بمعناها الواسع. وفي مستهل الذكرى السنوية العشرين لإنشاء مشروع طريق الرقيق، هذا العام، قمت بتعيين ماركوس ميلر، الموسيقي الشهير، كفنان اليونسكو للسلام؛ وستتمثل مهمته في الترويج لهذا المشروع ونقل رسالة الاحترام التي ينطوي عليها، وذلك باستخدام الموسيقى. كما سيساهم هذا العمل في التحضير لعقد المنحدرين من أصل أفريقي (2013-2022) الذي أعلنته الأمم المتحدة في عام 2012.

إن الاتّجار بالرقيق الأسود لا ينتمي إلى الماضي فقط: بل إنه يمثل تاريخنا، فضلاً عن أنه رسم ملامح العديد من المجتمعات الحديثة، وهو ما أسفر عن إقامة صلات لا تنفصم بين الشعوب والقارات، وغيّر مصير الأمم واقتصاداتها وثقافاتها تغييراً لا رجعة عنه. كما أن دراسة هذا التاريخ إنما تمثل تكريماً للمناضلين من أجل الحرية ولمساهمتهم الفريدة في تأكيد حقوق الإنسان العالمية. ومن شأن النموذج الذي يمثلونه أن يساعدنا في مواصلة الكفاح من أجل الحرية وضد الأفكار المسبقة العنصرية الموروثة من الماضي، وضد أشكال الاستعباد الجديدة التي ما زالت قائمة حتى اليوم وما زال يقع ضحيتها ما يقرب من 21 مليون شخص.

وأدعو في هذا اليوم جميع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والشركاء من القطاعين العام والخاص إلى مضاعفة الجهود من أجل نقل هذا التاريخ. وعسى أن يكون هذا التاريخ مصدراً للاحترام ونداءً عالمياً من أجل الحرية لأجيال المستقبل.

 إيرينا بوكوفا

المصدر: مندوبية ليبيا استناداً لما صدر عن اليونسكو

Print This Post