دراسة تمهيدية بشأن أوضاع المشتغلين بالبحث العلمي؛ بند على جدول أعمال لجنة العلوم الطبيعية بالمؤتمر العام لليونسكو
2013/08/19
أُعدت هذه الدراسة التمهيدية للجوانب التقنية والقانونية المتعلقة بمدى ملاءمة مراجعة التوصية الخاصة بأوضاع المشتغلين بالبحث العلمي، والتي اعتمدها المؤتمر العام في 20 نوفمبر 1974 (المشار إليها فيما يلي بعبارة « توصية عام 1974″) عملاً بقرار المجلس التنفيذي الذي أصدره في دورته 190 المنعقدة في شهر أكتوبر 2012.
وبناء على ما أجراه المجلس التنفيذي من دراسة سابقة لهذا الموضوع في دورته التاسعة والثمانين بعد المائة، رحب « بالآراء التي أبدتها الدول الأعضاء ومفادها أن توصية عام 1974 بشأن أوضاع المشتغلين بالبحث العلمي تمثل عنصراً هاماً في إطار أخلاقي عام وواسع النطاق لتوجيه الأنشطة العلمية، وأنها لا تزال ملائمة وقابلة للتطبيق على قضايا أخلاقيات العلوم والسياسات الخاصة بالعلوم » وأحاط علماً « بالآراء ووجهات النظر التي أعربت عنها الدول الأعضاء فيما يتعلق بمدى ملاءمة مراجعة وتحديث توصية عام 1974 بشأن المشتغلين بالبحث العلمي ». وعلى النحو الملخص في تقرير المديرة العامة، أيدت الآراء ووجهات النظر المذكورة أعلاه، بوجه عام، النظر في إمكانية مراجعة توصية عام 1974.
وسعياً إلى تقييم ما إذا كان ينبغي إدراج مسألة مراجعة توصية عام 1974 في جدول أعمال المؤتمر العام، طُلب من المديرة العامة أن تنشئ فريق خبراء مخصص لإعداد مشروع أولي لدراسة تمهيدية عن الجوانب التقنية والقانونية المتعلقة بمدى ملاءمة مراجعة توصية عام 1974 بشأن أوضاع المشتغلين بالبحث العلمي وأن تقدم هذه الدراسة التمهيدية إلى المجلس التنفيذي في دورته الحادية والتسعين بعد المائة. وإضافة إلى ذلك، دُعيت المديرة العامة إلى تنظيم مشاورة على الإنترنت تشارك فيها طائفة عريضة من الجهات الفاعلة والأطراف المعنية وتتناول العناصر التي قد تستلزم المراجعة في توصية عام 1974 والتي حُددت في المشروع الأولي للدراسة التمهيدية. وقرر المجلس التنفيذي في دورته الحادية والتسعين بعد المائة تأجيل النظر في البند الخاص بهذه المسألة إلى دورته الثانية والتسعين بعد المائة المقرر انعقادها في الفترة: 24 سبتمبر إلى 11 أكتوبر 2013.
وتبين هذه الدراسة التمهيدية الاستنتاجات الرئيسية للتقرير الذي أعده فريق الخبراء. كما استفادت من مداولات اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية في دورتها العادية الثامنة التي عُقدت في براتيسلافا بسلوفاكيا في الفترة الممتدة من 27 إلى 29 مايو 2013. إذ نظرت اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية في المسائل المتعلقة بمراجعة توصية عام 1974 على ضوء عملها الجاري بشأن القضايا الأخلاقية المتعلقة بالصلة بين العلوم والمجتمع وبإدارة العلوم.
ويبدو أن النطاق العام لتوصية عام 1974 والغرض منها يحظيان بالقبول والاهتمام إذ أنهما يكرسان المبادئ الأخلاقية الرئيسية المتمثلة في عدم التمييز، ونزاهة المشتغلين بالبحث العلمي وحريتهم واستقلالهم واحترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية. ولذا من الضروري اليوم، كما كان الحال في عام 1974، تأكيد الحق المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان « حق المشاركة الحرة في … والإسهام في التقدم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه »، وكذلك أخذ هذا الحق على محمل الجد. وفضلاً عن ذلك، تلقى الأسس المنطقية لتوصية عام 1974 دعماً واسعاً إذ تفيد بأنه ينبغي ترسيخ المبادئ الأخلاقية العامة التي تنطبق على العلوم في اتفاقات مؤسسية حقيقية. ولكن تبقى مسألة استمرارية جدوى تفاصيل القالب المؤسسي المنصوص عليه في توصية عام 1974 موضع تساؤل. ففي ظل الظروف الراهنة، يمكن النهوض بالعلوم والتكنولوجيا بوصفهما، في المقام الأول، أداة لتحقيق النمو الاقتصادي وذلك على حساب البحث العلمي الرامي إلى تعزيز المعرفة والفهم العلمي. ويتطلب ذلك اللجوء إلى طريقة أخرى لتنظيم المجتمع العلمي ويفرض على الباحثين أنواعاً من الضغوط تختلف عما كان متصوراً في عام 1974. وبوجه خاص، تتطلب أوضاع المشتغلين بالبحث العلمي في البلدان النامية عناية خاصة في هذا الصدد.
وشهدت أخلاقيات العلوم والأطر الأخلاقية العامة للسياسات الخاصة بالعلوم تطورات كبرى منذ عام 1974 مما يستدعي مراجعة ديباجية توصية عام 1974 واللجوء إلى نهج أكثر شمولاً فيما يتعلق بأحكامها الخاصة. وإذا حرصنا بوجه خاص على مراعاة الإعلان بشأن العلوم واستخدام المعارف العلمية لعام 1999 والإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان لعام 2005 وكذلك الوثائق التقنينية ذات الصلة المعتمدة على الصعيدين الإقليمي والوطني أو التي اعتمدتها رابطات مهنية وهيئات بحثية، أمكن الارتقاء بمستوى تحديد وإعمال مسؤوليات المشتغلين بالبحث العلمي المتعلقة بطرق استخدام معارفهم – ولاسيما في المجالات التي يحتمل أن تنطوي على « استخدام مزدوج »، أي أنها تؤدي إلى اكتشاف تكنولوجيات أو معلومات جديدة تترتب عليها تطبيقات نافعة أو ضارة – فضلاً عن مسؤولياتهم تجاه البيئة ومتطلبات النزاهة المهنية. وعلاوة على ذلك، ثمة مسائل أخرى مثل المساواة بين الجنسين في العلوم، ومشاركة عامة الجمهور، والمخاطر، والشك والحيطة لم يرد ذكرها في توصية عام 1974 أو لم يعبر عنها بالقدر الكافي.
وإلى جانب هذه التطورات التي شهدها التأمل الأخلاقي في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، طرأت تغيرات كبرى كذلك على السياقات الاجتماعية والأطر المؤسسية. واكتست أنشطة البحث طابعاً دولياً وأضحت أكثر تعقيداً وباتت تستلزم المزيد من الاستثمار، بينما أخذت التكنولوجيا الرقمية تعيد رسم ملامحها بطرق معقدة. ومن بين التحديات التي تواجه الأوساط العلمية في الوقت الراهن الأساليب الجديدة لتداول المعلومات العلمية، فهذه الأساليب تيسر اعتماد أشكال جديدة من السلوك العلمي التي لا تخلو من المشكلات أحياناً، وتغير كذلك شروط الوصول إلى المعلومات العلمية فتزيل بعض الحواجز وتقيم حواجز أخرى بدلاً منها. وإضافة إلى ذلك، واكب التوسع والعولمة تزايد الضغوط التجارية والأمنية على العلوم، فضلاً عن ظهور أشكال جديدة للمنافسة بين المؤسسات تتسم بمزيد من الحدة. وليس من الواضح ما إذا كان يمكن تطبيق آليات تنفيذ مبادئ الأخلاقيات بالطريقة ذاتها على أنشطة البحث التي يمولها وينفذها القطاع الخاص وعلى أنشطة البحث التي ينفذها القطاع العام كلياً أو جزئياً، مما يوفر الإطار المرجعي الضمني لتوصية عام 1974. وعلاوة على ذلك، أثارت العلاقة بين العلوم والمجتمع قضايا أخلاقية أوسع نطاقاً، على النحو الذي بينته المناقشات الحادة حول المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيات الابتكارية، التي تقيمها مجموعات متنافسة من العلميين وغير المتخصصين بطرق مختلفة وغالباً ما تكون متضاربة.
ومع ذلك، لم تؤدِ أي من الوثائق التقنينية المتعلقة بأخلاقيات العلوم والسياسات الخاصة بالعلوم والتي اعتُمدت منذ عام 1974 إلى جعل توصية عام 1974 مجردة من مغزاها أو بالية. والواقع أن الإعلانات ترمي إلى تحقيق هدف آخر ومكمل، أما الوثائق التقنينية المعدة على الصعيدين الإقليمي أو الوطني أو التي تعدها هيئات مهنية فلها أبعاد مختلفة. وتتسم التوصية التي يوجهها المؤتمر العام إلى جميع الدول الأعضاء في اليونسكو بقيمة دائمة بوصفها إطاراً عالمياً لسياسات علمية مستنيرة أخلاقياً.
وعلى الرغم من أنه يمكن النظر في إعداد توصية جديدة تماماً في هذا المجال، تراعى فيها جميع الشواغل المعاصرة، فإن هذه العملية قد يكون لها مثالب ملحوظة. وعلى ضوء القرار الذي اتخذه المجلس التنفيذي في دورته التاسعة والثمانين بعد المائة والقاضي بحث الدول الأعضاء في اليونسكو على مراعاة المبادئ العامة المنصوص عليها في توصية عام 1974 على النحو الواجب في سياسات العلوم الوطنية، ينبغي ألا تؤثر أية تدابير تُتخذ لمراجعة أو تحديث توصية عام 1974 في أهلية النص الحالي أو تحد من صلاحيته أو قابليته للتطبيق. وعلى الرغم من أن مراجعة توصية عام 1974 ستُبقي بالضرورة على توجهها وهيكلها العام، فإن ثمة فائدة في تحديث لغتها وتشديد تركيزها على القضايا الرئيسية التي تبعث على القلق في الوقت الراهن مثل المسؤوليات الاجتماعية للعلميين وأخلاقيات البحث العلمي.
وتمثل التناقضات التي ظهرت، مع مرور الوقت، بين نص توصية عام 1974 وسياق تنفيذها تذكيراً بالطبيعة المحددة زمنياً الملازمة للتوصيات المؤسسية المحددة، وذلك على خلاف البيانات العامة للمبادئ. ولعل من الملائم مراجعة العنصر المؤسسي للتوصية بصفة دورية إضافة إلى رصد تنفيذها بانتظام.
وتماشياً مع الآراء التي أبدتها الدول الأعضاء فيما يتعلق برصد تنفيذ توصية عام 1974، يبدو أن مراجعة هذه التوصية أمر مجدي. وإذا أُنجزت مراجعة التوصية بنجاح، فإنها ستكون بياناً متيناً ووجيهاً بشأن أخلاقيات العلوم بوصفها أساساً للسياسات الخاصة بالعلوم التي قد تيسر إنشاء نظام مؤسسي يفضي إلى تنفيذ الفقرة 1 من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المصدر: اليونسكو (بتصرف)