ذاكرة العالم: التوثيق يكفل عدم فقدان الذاكرة الجماعية
2012/10/3
لا يمكننا أن نبني المستقبل إذا كنا نجهل الماضي. إن هذه القناعة الراسخة هي القوة المحركة لمؤتمر اليونسكو الدولي بشأن الصون والرقمنة الذي سيُعقد في الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر 2012 في فانكوفر (كندا). ويتمثل هدف هذا المؤتمر في إعداد استراتيجيات تضمن صون تراثنا الذي باتت عملية توثيقه ترتكز بصورة متزايدة على الإنترنت.
وفي وقت أصبحت فيه التكنولوجيات الرقمية الوسيلة الرئيسية المستخدمة لإنتاج المعارف ونقلها، تمثل هشاشة التراث الوثائقي الرقمي مصدر قلق بالغ. ويكفي القيام ببحث سريع على الإنترنت لنرى أمام أعيننا كماً هائلاً من المواد التي تشهد على تاريخ البشرية، ومنها الوثائق والتسجيلات الصوتية والأفلام وأشرطة الفيديو والصور. ولكن في العصر الرقمي الذي نعيش فيه اليوم، يمكن لعطل أو فيروس في الحاسوب أن يمحو ببساطة مضامين هذه المواد وأن يؤدي إلى فقدان الذاكرة التاريخية للبشرية.
ولكن ما هي التحديات المرتبطة بصون الوثائق المرقمنة؟ في بعض الأحيان، تكون المواد هشة لدرجة أنه يتعذر رقمنتها على نحو مرضٍ. وثمة سياسات حكومية لا تعطي الأولوية اللازمة لعملية الرقمنة، مما يدل على عدم توافر ما يكفي من الموارد المالية أو عدم حصول الموظفين على التدريب أو عدم صيانة الملفات الرقمية في إطار عمليات تحديث البرمجيات والمعدات الحاسوبية. ويرتبط التحدي الرئيسي في أغلب الحالات بمسألة التمويل.
ويرى الخبير جوناس بالم الذي يترأس إدارة الصون التابعة لدار المحفوظات الوطنية في السويد أنه « وسط الحماس إزاء الحلول التي توفرها الرقمنة، غالباً ما تنسى الجهات المعنية أن تطرح ما ينبغي طرحه من أسئلة بشأن التكاليف، ولاسيما التكاليف الطويلة الأجل اللازمة لصون الملفات الرقمية ».
ومع أنه يصعب تحديد تكاليف عملية الرقمنة، يُعتقد عادةً أنه ينبغي إنفاق ثلث الميزانية في المتوسط على أعمال الرقمنة. أما الثلثان المتبقيان، فيتعين تخصيصهما لتنظيم المواد وتصنيفها وإتاحتها للجمهور. وينطوي صون المواد المرقمنة في الأجل الطويل على تكاليف إضافية يتعين تأمينها باستمرار.
وقد يؤدي عدم توافر ما يكفي من الأموال إلى عرقلة جهود الصون الرقمي إلى حد كبير. وعلى سبيل المثال، إن النشرات السينمائية الإخبارية عن أمريكا اللاتينية التي كانت تُنتج أسبوعياً بين عامي 1960 و 1990 تمثل أشمل سجل في العالم لتاريخ الثورة الكوبية.
وتستمد هذه النشرات قيمتها مما تتضمنه من معلومات تاريخية عن انقسام العالم إلى قطبين خلال الحرب الباردة، وحروب الاستقلال في المستعمرات الأفريقية، والثورات الشعبية الأخرى. وتولت المكتبة السينمائية الكوبية مهمة استنساخ الأفلام التي اعتبرتها مهمة بوجه خاص وقامت بترجمتها وتوزيعها على دور أخرى لمحفوظات الأفلام في أمريكا اللاتينية.
ولكن الانقطاع المتكرر للكهرباء في التسعينيات، من القرن الماضي، حرم المكتبة السينمائية الكوبية من الوسائل اللازمة لإكمال ما كان قد أضحى كفاحاً يومياً لصون الأفلام في البلدان الاستوائية وجعلها متاحة لعدد كبير من الناس. ولا تزال صور ذات أهمية تاريخية كبيرة مثل صور زيارة تشي غيفارا إلى جمهورية الكونغو معرضة لخطر الاندثار.
ومع أن النسخ الرقمية تؤدي دوراً حيوياً في نقل تاريخ البشرية إلى الأجيال القادمة، فإنه لا يمكنها أن تكون مطابقة تماماً للوثائق الأصلية أو أن تحل محلها.
وما من أدلة تدين العنصرية أقوى من الأدلة الواردة في الوثائق القضائية المتعلقة بمحاكمة ريفونيا التي أدت إلى سجن نيلسون مانديلا لكفاحه ضد نظام الفصل العنصري.
وقليلة هي الكتابات التي تدين إنكار محرقة اليهود بعبارات توازي برقيّها أو قوة وقعها العبارات الواردة في الدفتر الصغير ذي المربعات الزهرية الذي دونت فيه آن فرانك يومياتها. ولذا، فإن الوثائق الأصلية تنقل لنا حكمة خالدة لا بد لنا من أن نهتدي بها في سعينا إلى بناء مستقبل مستدام يسوده السلام.
المصدر: اليونسكو