فشل عشرين في المائة من الشباب في البلدان النامية في اتمام مرحلة التعليم الابتدائي وافتقارهم إلى المهارات اللازمة للعمل
2012/10/17
إن الإصدار العاشر للتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع تحت عنوان « التعليم من أجل العمل »الذي احتفلت به اليونسكو يوم أمس (الثلاثاء 16 أكتوبر) يظهر الحاجة الملحة للاستثمار في مجال المهارات اللازمة للشباب. ففي البلدان النامية يوجد 200 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة لم يتموا مرحلة التعليم الابتدائي ويحتاجون إلى الخوض في مسارات بديلة لاكتساب المهارات الأساسية الضرورية للحصول على عمل والتمتع بحياة ناجحة. ولقد ازداد عدد الشباب في العالم بأكثر من ذي قبل؛ ويعاني واحد من كل ثمانية شبان من البطالة؛ كما أن أكثر من ربع الشباب يرزحون في أعمال تبقيهم عند خط الفقر أو أدناه. ولما كانت آثار الأزمة الاقتصادية ما زالت تمثل ضغوطاً على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، فإن النقص الحاد في المهارات اللازمة للشباب تمثل أضراراً أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من التقدم الكبير المحرز في بعض المناطق، فإن عدداً قليلاً منها في طريقها نحو تحقيق الأهداف الستة للتعليم للجميع التي اعتمدت في عام 2000، في حين أن البعض الآخر بقى في وضع متخلف للغاية. ويفحص التقرير بعمق المهارات اللازمة للشباب، وهي من أهداف التعليم للجميع التي لم تحظ إلا بأقل قدر من التحليل. كما يبين التقرير أن اجتياز المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي إنما يشكل اليوم الحد الأدنى للشباب كي يكتسبوا المهارات الأساسية التي يحتاجونها من أجل الحصول على وظائف مناسبة. وحتى الآن، هناك 250 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، سواء أكانوا ملتحقين بالمدارس أم غير ملتحقين بها؛ كما أن ثمة 71 مليون مراهق غير ملتحق بالتعليم الثانوي، وهو ما يجعلهم يفتقرون إلى المهارات الحيوية اللازمة لمجال العمل في المستقبل.
أما الشباب الفقراء في المناطق الحضرية والريفية فهم في أمس الحاجة إلى التدريب في مجال المهارات. وفي المناطق الحضرية، يزداد ويتنامى عدد الشباب بأكثر من ذي قبل. ففي خُمس البلدان التي تم تحليل الأوضاع فيها، يحظى الشبان الفقراء بالمناطق الحضرية بأقل قدر من التعليم مقارنة بالمناطق الريفية. كما أن ما يربو على ربع هؤلاء يكسبون أكثر بقليل من 1.25 دولار أمريكي يومياً.
ومع ذلك، تعيش الغالبية العظمى للفقراء وأقلهم تعلماً على الصعيد العالمي في المناطق الريفية. ويواجه العديد من المزارعين الشبان مشاكل نقص الأراضي والآثار الناجمة عن تغير المناخ؛ كما أنهم يفتقرون إلى المهارات الأساسية اللازمة لحماية أنفسهم وكسب ما يكفي لتغطية احتياجاتهم. أما النساء فهن من أكثر الفئات احتياجاً. ومن الضروري توفير تدريب لهؤلاء في مجالي الأعمال التجارية والتسويق حتى تتاح لهم فرص تتجاوز العمل الزراعي وتحد من موجات هجرتهم إلى المدن بحثاً عن الوظائف.
وقالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو،: »إننا نشهد جيلاً من الشباب يعاني من الاحباط جراء انعدام التوافق على نحو مزمن بين المهارات والعمل. أما أفضل الاستجابات للانتكاس الاقتصادي وبطالة الشباب فإنها تتمثل في ضمان أن يكتسب الشباب المهارات الأساسية والتدريب المناسب الذي يحتاجون إليه للانخراط في سوق العمل بثقة. ويحتاج الكثيرون، ولاسيما الشابات، إلى أن تتوافر لهم مسارات بديلة للحصول على تعليم يتيح لهم القدرة على اكتساب المهارات الضرورية لكسب رزقهم، وللعيش في كرامة والمساهمة في جماعاتهم ومجتمعاتهم ».
إن الاستثمار في مجال المهارات اللازمة للشباب إنما يُعتبر خطوة سليمة تتخذها البلدان التي تسعى إلى تعزيز نموها الاقتصادي. ويُقدّر التقرير أن كل دولار يُنفَق على تعليم شخص يثمر ما يتراوح بين 10 و 15 دولارا أمريكيا من حيث النمو الاقتصادي لعمل هذا الشخص طوال حياته. أما عدم الاستثمار في المهارات اللازمة للشباب فإنه يفضي إلى ارتفاع معدلات بطالتهم في البلدان الغنية أو إلى إبقائهم في أعمال لا تعود عليهم إلا بأجور تضعهم عند خط الفقر في البلدان ذات الدخل المنخفض.
وثمة آثار طويلة الأجل ناجمة عن إهمال مجال المهارات اللازمة للشباب في بلدان شتى في جميع أرجاء العالم. واستناداً إلى بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، يُقَدّر التقرير أن 160 مليون من الكبار في الأمم المتقدمة يفتقرون إلى المهارات اللازمة لتقديم طلبات للحصول على وظائف أو لقراءة الصحف.
وهناك حاجة ملحة لزيادة التمويل بغية معالجة نقص المهارات. ويُقَدّر التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الصادر هذا العام أنه بالإضافة إلى المبلغ البالغ قدره 16 مليار دولار أمريكي اللازم تخصيصه سنوياً لتحقيق تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2015، فإن تعميم القيد في المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي ستبلغ تكلفته 8 مليارات دولار أمريكي. وعلاوة على ذلك، فإن البرامج التي توفر مسارات بديلة للتدريب في مجال المهارات تحتاج إلى أن ترتقي إلى حد كبير بحيث تشمل الشباب الذين أخفقوا في اكتسابها.
وقالت بولين روز، مديرة التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع : »إن ثمة علامات مثيرة للقلق تخص المساعدة المقدمة للتعليم التي قد تتباطأ في نفس الوقت الذي يشتد فيه احتياج الأطفال والشباب إليها. ويجب على الحكومات والجهات المانحة أن تجد الأموال والطاقات اللازمة لمساعدة الشباب الذين هم في أمس الحاجة إلى اكتساب المهارات اللازمة لهم ولاقتصادات بلدانهم التي تحتاج إليها كل الاحتياج. أما القطاع الخاص فهو الذي يستفيد في المقام الأول من القوة العاملة الماهرة، وعليه أن يزيد الدعم المالي الذي يقدمه في هذا المجال ».
وقد تتيح إعادة توزيع المساعدة سد الفجوة المالية. فالمساعدة المالية المخصصة لمرحلة ما بعد التعليم الثانوي، والبالغ قدرها 3.1 مليارات دولار أمريكي، لا تشمل البتة النظم التعليمية في البلدان النامية، إذ أنها تُستخدم لتمويل تعليم الطلاب الأجانب في البلدان المانحة. ومن الممكن انفاق هذه الأموال على نحو أفضل لمعالجة مشكلة نقص المهارات لصالح الشباب المحرومين في البلدان الفقيرة؛ حيث أن تكلفة المنحة المقدمة إلى طالب من نيبال للدراسة في بلد متقدم يمكن أن تتيح التحاق 229 طالباً بالتعليم الثانوي في وطنهم.
وفي الوقت الراهن، يساهم القطاع الخاص، الذي يُعتبر من المستفيدين الرئيسيين من القوة العاملة الماهرة، بما يعادل 5 في المائة من إجمالي المساعدة الرسمية المقدمة إلى قطاع التعليم. وليس هناك سوى خمس مؤسسات تقدم هذه الأموال. ومع ذلك، فإن المساهمات الخاصة لا تعكس دائماً أولويات الحكومات في مجال التعليم؛ كما إنها غالباً ما تتماشى على نحو أوثق مع أولويات مؤسسات الأعمال التجارية. وعلى سبيل المثال، يتم تخصيص مبالغ مالية كبيرة للتعليم العالي، لكن قلة من الأطفال فقط هم الذين ينجحون في الوصول إلى هذا المستوى، في حين أن معظمهم ما زالوا يفتقرون إلى المهارات الأساسية. كما يتم توجيه معظم الدعم الخاص بقطاع المعلومات والاتصالات إلى الاقتصادات الناشئة في بلدان مثل البرازيل والهند والصين، بدلاً من البلدان النامية التي هي في أمس الحاجة إلى المساعدة.
يقدم التقرير عددا من التوصيات الرامية إلى معالجة هذه المشاكل ودعم تنمية المهارات اللازمة للشباب:
1ـ يجب توفير مسارات بديلة لتعلم المهارات الأساسية إلى ما يقدر بنحو 200 مليون شاب.
2ـ يحتاج جميع الشباب إلى تدريب جيد في مجال المهارات الأساسية المناسبة في مرحلة التعليم الثانوي.
3ـ يجب أن توازن المناهج الدراسية الخاصة بالمرحلة العليا من التعليم الثانوي بين المهارات المهنية والتقنية، بما فيها تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، والمهارات القابلة للتناقل، مثل عوامل الثقة والاتصال التي لا غنى عنها في مواقع العمل.
4ـ يجب أن تستهدف الاستراتيجيات الخاصة بالمهارات الفئات المحرومة، ولاسيما الشابات والفقراء المقيمين في المناطق الحضرية والريفية.
5ـ يجب توفير ثمانية مليارات دولار أمريكي لضمان أن يلتحق جميع الشباب بالمرحلة الدنيا من التعليم الثانوي. كما ينبغي أن تقوم الحكومات والجهات المانحة ومؤسسات القطاع الخاص بالإسهام في سد الفجوة المالية.
ويأتي إصدار التقرير المذكور لعام 2012 في أعقاب المبادرة العالمية التي أطلقها في 26 سبتمبر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، تحت عنوان « التعليم أولاً »، وهي المبادرة التي تؤكد أهمية حشد جميع الجهات المعنية للتغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق « تعليم جيد ومناسب ينطوي على قدرة تحويلية ».
وقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة في هذا الصدد بأن : « أهدافنا المشتركة بسيطة، وهي أننا نريد لأطفالنا أن يلتحقوا بمرحلة التعليم الابتدائي وأن يتقدموا نحو التعليم الثانوي والتعليم العالي المناسب الذي من شأنه أن يمكنهم من التمتع بحياة ناجحة ومن العيش كمواطنين ملتزمين ومنتجين في جميع أرجاء العالم ».
المصدر: اليونسكو