نظرة إلى التعليم في ليبيا عام 2010 من خلال تقرير التنافسية العالمية
2012/06/21
لا جدال في أن التعليم في ليبيا قد عانى أثناء فترة حكم الطاغية المقبور الأمرّين جرّاء التهميش والمسخ والاستهزاء مما انتج مخرجات توصف – في عمومها – بالقصور عن القيام بما يتوجب عليها القيام به في حياتها العملية. ومن تميز أثناء تلك الفترة من حالات فردية استثنائية أو واعدة فهي مجهودات شخصية ومبادرات ذاتية من صنع الأفراد أنفسهم أو بفعل القلة التي كانت تسير التعليم وتراعي في الشعب الليبي الذمة والمسؤولية دون اكتراث لمن يشد إلى الخلف أو يثبط العزيمة وما أكثرهم في تلك الأيام. أن المنظومة التعليمية الرسمية آنذاك ليس في مخططها العملي تنمية البلاد أو تطويرها، وليس في اعتبارها الشعب الليبي. والومضات التي حدثت في تكوين الأفراد أو في تقليل وتحجيم الخسائر الفادحة في المنظومة التعليمية هي من خارج المخطط.
هذه هي المحصلة التي انتهت إليها كافة أوساط الشعب الليبي ونؤيدها في ذلك عن اقتناع مبني عن تجربة وتحليل. ولكن بعيداً عن الاستنتاجات الذاتية – رغم صلاحيتها للدراسة – وبعيداً عن الملاحظات العرضية التي تحتاج إلى تأكيد بياني وإحصائي، نود توجيه الحوار نحو النتائج الموثقة التي يمكن استخلاصها من تقرير التنافسية (الشاملة) للفترة: 2010-2011 الصادر عن المركز العالمي للتنافسية والأداء التابع للمنتدى الاقتصادي الدولي والذي اعتمد على بيانات عام 2010. ولم نضع في الاعتبار التقرير الذي أعد للفترة: 2011-2012 لاعتماده على بيانات 2011. وهذه السنة (2011) هي سنة فاصلة في تاريخ ليبيا الحديث. سنؤرخ لما قبلها، وسنؤرخ لما بعدها. فهذه السنة هي نهاية لمرحلة بغيضة متخلفة استمرت مدة 42 عاماً. وبداية لعهد جديد. ولما كان عام 2011 مملوء بالأحداث الجسام، وشهد فرملة لمختطفى ليبيا الهاربين بها نحو المجهول، وإرغامهم على التسليم والاستسلام. وتوجه (ثوار) ليبيا إلى تغيير اتجاه البوصلة نحو الديمقراطية والتنمية والتطوير. فإن أحداث عام 2011 لا تتضمن معلومات أو بيانات لها دلالة احصائية في استخلاص الأحكام والنتائج ذات العلاقة بالتعليم والتنمية. وتم التركيز على بيانات تقرير 2010-2011 المعتمد على احصائيات 2010 أو ما قبلها. أن البيانات حول التعليم في ليبيا المتضمنة في هذا التقرير يمكن اعتمادها مؤشرات في المستوى (صفر) ونستدل بها على التقدم المرتقب لليبيا الجديدة في ظل توجهات وأهداف ثورة 17 فبراير المجيدة المنتظر احرازه في مقبل الأيام.
حاول التقرير – قيد الدراسة – أن يوضح كيفية فهم وقياس النمو النوعي من منظار تنافسي يضع في اعتباره تشخيص التنافسية المستدامة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويتضمن مسحاً لعدد 139 دولة، واستند في تحليله على مؤشر التنافسية العالمية الشامل، وهو أداة تقيس الأسس الاقتصادية الجزئية والكلية للتنافسية الوطنية. نتعرف على مؤشر التنافسية لبلد ما – طبقاً لمنظور التقرير – من خلال المؤسسات والسياسات والعوامل المحددة لمستوى الانتاجية في ذلك البلد. ويستند مؤشر التنافسية العالمية على العديد من العناصر التي تقّيس كل منها جانباً من جوانب التنافسية، وتتوزع هذه العناصر إلى مجموعات تتكون من أثنى عشر ركناً تنافسياً. وهذه الأركان هي:
1) المؤسسات
2) البنية الأساسية
3) بيئة الاقتصاد الكلي
4) الصحة والتعليم الابتدائي
5) التعليم العالي والتدريب
6) كفاءة سوق السلع
7) كفاءة سوق العمل
8) نمو سوق المال
9) الاستعداد والتهيؤ التكنولوجي
10) حجم السوق
11) تطور الأعمال التجارية
12) الابتكار.
يرصد مؤشر التنافسية الدولية التطور الاقتصادي في مجموعة من الأركان ألاثني عشر ويقسمه إلى ثلاثة أنواع هي:
أولاً: اقتصادات تحركها العوامل وهي الأقل نمواً وتعتمد على الأركان الأربعة الأولى.
ثانياً: اقتصادات تحركها الكفاءة وتعتمد على الأركان الستة التي تلي الأركان الأربعة الأولى مباشرة.
ثالثاً: اقتصادات يحركها الابتكار وتعتمد على الركنيين الأخيرين.
ويعطي التقرير أوزاناً لهذه المؤشرات حسب مرحلة التطور الذي ينتمي إليها الاقتصاد المعني. وله في ذلك خمس مراحل: من الأقل نمواً إلى الأكثر نمواً على النحو التالي:
المرحلة الأولى: تحركها العوامل
المرحلة الانتقالية من الأولى إلى الثانية
المرحلة الثانية: تحركها الكفاءة
المرحلة الانتقالية من الثانية إلى الثالثة
المرحلة الثالثة: يحركها الابتكار
وقد غطى التقرير خمس عشرة دولة عربية. وبالنظر في توزيع هذه الدول حسب مراحل تطورها ونمو اقتصادها ترد موريتانيا في مرحلة التطور الأولى (الأقل نمواً) بينما في المرحلة الانتقالية من الأولى إلى الثانية ترد: الجزائر ومصر، والكويت وليبيا والمغرب وقطر والسعودية وسوريا، بينما ترد الأردن ولبنان وتونس في المرحلة الثانية، والبحرين وعمان في المرحلة الانتقالية بين الثانية والثالثة والإمارات في المرحلة الثالثة (الأكثر نمواً).
وبالنظر إلى ترتيب الدول (بمجموعها 139 دولة) حسب قيمة مؤشر التنافسية العالمية (الشاملة) الذي تتراوح قيمته من 1 إلى 7 نجد سويسرا في المرتبة الأولى بينما تشاد في المرتبة الأخيرة. أما الدول العربية فدولة قطر هي الأولى عربياً (بترتيب 17) والأخيرة عربياً هي موريتانيا (بترتيب 135) وقبل الأخيرة عربياً تأتي ليبيا (بترتيب 100).
أن هذا الترتيب العام لليبيا ناتج من ثلاث مؤشرات أساسية هي:
(أ) مؤشر المتطلبات الأساسية والتي كان لليبيا فيه الترتيب 88. وهذه الرتبة تناظر القيمة (4.2) في المدى من 1 إلى 7 وهي متوسط القيم للأركان الأربعة الأولى وهي:
- البنية المؤسسية وتحصلت على قيمة (3.34)؛
- البنية الأساسية وتحصلت على قيمة (3.22)؛
- بيئة الاقتصاد الكلي وتحصلت على قيمة (5.72) وهي الأعلى ضمن جميع المؤشرات.
- مستوى الصحة والتعليم الابتدائي وتحصل على قيمة (4.53).
(ب) مؤشر محسنات الكفاءة، والتي كان لليبيا فيه الترتيب (127). وهذه الرتبة تناظر القيمة (3.19) في المدى من 1 إلى 7، وهي متوسط القيم للأركان الستة التالية:
- التعليم العالي والتدريب وتحصل على قيمة (3.63)؛
- كفاءة سوق السلع وتحصلت على قيمة (3.20)؛
- كفاءة سوق العمل وتحصلت على قيمة (2.81)؛
- نمو السوق المالي وتحصل على قيمة (2.99)؛
- الاستعداد والتهيؤ التكنولوجي وتحصل على قيمة (2.87)؛
- حجم السوق وتحصل على قيمة (3.64).
(ج) مؤشر الابتكار وعوامل التطور والتي كان لليبيا فيه الترتيب 135. وهذه الرتبة تناظر القيمة (2.62) في المدى من 1 إلى 7. وهي متوسط القيمتين الممنوحتين للركنين: الحادي عشر والثاني عشر المكونان لهذا المؤشر وهما:
- تطور الأعمال التجارية الذي تحصل على قيمة (2.86)؛
- الابتكار الذي تحصل على قيمة (2.38).
أن موقع ليبيا التنافسي المتأخر (الترتيب 100) رغم البنية الاقتصادية الكلية المستقرة المتوفرة لها (كما توضح قيمة المؤشر: بيئة الاقتصاد الكلي) يفسره كونها كانت تواجه صعوبات كبيرة ومختنقات خطيرة متعلقة بعدم كفاءة أسواق السلع والعمل والمال بالإضافة إلى البنى الأساسية غير المتطورة والمستوى المتدني لتبني التكنولوجيا، وسوء الإدارة وعدم الحرص في مجال الانفاق، وغير ذلك من المعوقات التنموية.
نتناول الآن – مؤشرات لثلاثة أركان لها علاقة مباشرة بالتعليم وهي:
· الصحة والتعليم الابتدائي (الركن 4)
· التعليم العالي والتدريب (الركن 5)
· الاستعداد والتهيؤ التكنولوجي (الركن 9).
وذلك وفق السياق التالي:
أولاً الصحة والتعليم الابتدائي
يتضمن هذا الركن مؤشرين لهما علاقة مباشرة بالتعليم وهما:
- نوعية التعليم الابتدائي الذي تحصل على قيمة (2.5) وكانت ليبيا في الترتيب (128) لهذا المؤشر من (139 دولة) وهي الأخيرة على مستوى الدول العربية.
- o نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي. والذي لم تظهر له أي قيمة بسبب عدم توفر البيانات المتعلقة به ويلاحظ بأن هذا المؤشر ذو طبيعة كمية، وقد يعطي اسقاطات ظاهرها يحسب للمنظومة التعليمية في ذلك الوقت، ولكن مبطنة بمزاعم بالانجازات التي لا تخرج عن الدعاية والإعلام بسبب الدفع بالتلاميذ للتسجيل في مواقع تسمى مدارس تفتقر إلى أدنى معايير المؤسسات التعليمية. فضلاً على أن غياب المعلومات يشير إلى ضعف الإدارة وعدم قدرتها على التوثيق وتوفير المعلومات. بل أن الثقافة التي حاولت السلطة آنذاك غرسها هي حجب المعلومات والإحصاءات بدعوى السرية والكتمان. ولم يكن ذلك إلا ستاراً للعجز واللامبالاة. وقد يكون مرد ذلك أيضاً البعد عن التعرض للنقد وكشف عيوب المنظومة التعليمية وعجزها.
ثانياً: التعليم العالي والتدريب
ويتضمن هذا الركن المؤشرات الثانوية التالية:
(أ) : الالتحاق بالتعليم ويشمل:
- نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي والتي كان لليبيا فيه عام 2006 الترتيب 48 على المستوى العالمي والترتيب الرابع على المستوى العربي. وهذا يشير إلى مقدار اهتمام السلطات في ذلك العهد بالتظاهر بإدخال الطلبة للمؤسسات التعليمية. وظهر (الكم) واضحاً كنتاج طبيعي لحركة النمو السكاني في المناطق المختلفة الذي أملى إنشاء الفصول الدراسية لهذه المرحلة من التعليم.
- نسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي، والتي كان لليبيا فيه عام 2008 الترتيب 37 على المستوى العالمي والترتيب الأول على المستوى العربي. وما كان ذلك إلا بسبب المسار الوحيد المفتوح للطلبة خريجي المرحلة الثانوية من التعليم وهو الالتحاق بالتعليم في المرحلة اللاحقة. ونتيجة الضغط الاجتماعي نحو ضرورة وجود مؤسسات للتعليم العالي، وجدت منظومة التعليم السابقة الحل في نشر الجامعات والمعاهد العليا لاستقطاب الطلبة بأعداد كبيرة بدون سياسة واضحة لتنسيب الطلاب إلى تخصصات مفيدة أو مراعاة لنوعية التعليم كما يظهر ذلك في المؤشرات المتعلقة بهذا الجانب.
(ب) نوعية التعليم ويشمل:
· نوعية النظام التعليمي والتي كان لليبيا في العام الدراسي 2009-2010 الترتيب الأخير عالمياً وعربياً بقيمة (2.0) والتي تتساوى فيها مع أنغولا صاحبة الترتيب (139).
· نوعية تعليم الرياضيات والعلوم والتي كان لليبيا في العام الدراسي 2009-2010 الترتيب (113) على مستوى (139) دولة في العالم والترتيب قبل الأخير على المستوى (15) دولة عربية.
· نوعية مدارس (كليات) الإدارة والتي كان لليبيا الترتيب (137) من (139 دولة) والترتيب الأخير على مستوى 15 دولة عربية.
· الوصول إلى الانترنت في المدارس والتي كان لليبيا في العام الدراسي 2009-2010 الترتيب 129 على مستوى 139 دولة في العالم والترتيب 13 على مستوى 15 دولة عربية.
(ج) التدريب أثناء العمل، ويشمل:
· توفير الأبحاث التخصصية والخدمات التدريبية محلياً والتي كان لليبيا في العام الدراسي 2009-2010 ترتيب (134) في (139) دولة والترتيب قبل الأخير في (15) دولة عربية.
· تدريب المعلمين والتي كان لليبيا فيه أثناء العام الدراسي 2009-2010 ترتيب (110) في 139 دولة والترتيب 12 في 15 دولة عربية.
ثالثاً: الاستعداد والتهيؤ التكنولوجي؛ ويشمل:
· توفر آخر التكنولوجيات والتي كان لليبيا فيه الترتيب 96 من 139 دولة وترتيب 12 على مستوى 15 دولة عربية.
· مستخدمي الانترنت والتي كان لليبيا فيه الترتيب (116) في 139 دولة والترتيب قبل الأخير في 15 دولة عربية.
· الاشتراكات في الانترنت ذي النطاق العريض والتي كان لليبيا فيه الترتيب 110 في 139 دولة والترتيب الأخير في 15 دولة عربية.
· عرض نطاق الانترنت والتي كان لليبيا فيه الترتيب 109 في 139 دولة والترتيب الأخير في 15 دولة عربية.
· الخطوط الهاتفية الثابتة؛ والتي كان لليبيا فيه سنة 2009 الترتيب (74) من 139 دولة والترتيب السابع من 15 دولة عربية.
· اشتراكات الهاتف النقال والتي كان لليبيا فيه عام 2009 الترتيب (90) من 139 دولة والترتيب الحادي عشر من 15 دولة عربية.
يلاحظ بأن ليبيا في عام 2010 ترتيبها على وجه العموم متأخر دولياً وعربياً إذ نجد التدني واضحاً في كافة المؤشرات عدا مؤشر الالتحاق بالتعليم الجامعي ومؤشر الخطوط الهاتفية الثابتة. لقد احتلت ليبيا في عام 2010 الموقع الأخير دولياً وعربياً في نوعية مدارس وكليات الإدارة مما يعكس الوضع الاداري في البلاد. واحتلت الترتيب الأخير عربياً في:
- نوعية التعليم الابتدائي
- نوعية النظام التعليمي
- الاشتراكات في الانترنت ذو النطاق العريض
- عرض نطاق الانترنت.
والترتيب قبل الأخير عربياً في كل من:
- نوعية تعليم الرياضيات والعلوم
- توفير الأبحاث التخصصية والخدمات التدريبية محلياً
- مستخدمي الانترنت.
ومستوى متدني في:
- الوصول إلى الانترنت في المدارس
- تدريب المعلمين
- توفير آخر التكنولوجيات.
أن الترتيب المتدني على المستوى العالمي والأخير عربياً متعلق بموضوع غاية من الأهمية من حيث تربية النشىء وإعدادهم لمراحل تعليم لاحقة إلا وهو نوعية التعليم ونوعية النظام التعليمي. بالإضافة إلى التدني في كل من: نوعية تعليم الرياضيات والعلوم، وتوفير الأبحاث التخصصية، والخدمات التدريبية محلياً، وتدريب المعلمين، والوصول إلى الانترنت في المدارس. أن هذا الوضع يؤثر على تأهيل الجيل الجديد بكامله. وبهذا يصبح من الضروري أن تضع إستراتيجية التربية والتعليم وإستراتيجية التعليم العالي والبحث العلمي – التي هي قيد الإعداد – في أعلى سلم أولوياتها معالجة هذه الجوانب المتدنية في منظومتنا التعليمية.
هذا هو الوضع القائم للنظام التعليمي عشية انطلاق ثورة 17 فبراير المجيدة. وتمثل البيانات والإحصائيات المتعلقة به والمتضمنة في التقرير الدولي نقطة النهاية لما وصل إليه التعليم في عهد حكم الاستبداد، ونقطة البداية للعمل المنتظر في المستقيل. وسننطلق منها في قياس التطور المرتقب لليبيا الجديدة. فماذا – يا ترى – نحن فاعلون؟
هذا ما سنكتشفه في السنوات القادمة.
المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو