مقالة رئيس المجموعة العربية د. عبد القادر المالح بمناسبة يوم المرأة العالمي
2018/03/8
إذا كان القرنِ العشرينِ قد شهد على انطلاقة المواثيق والعقود التي تعهدت بحرية المرأة، فإن القرن الحادي والعشرين من المتوقع ان يشهد على إنجازِات المرأة وابداعاتها، حتى وإن كان ذلك يمر بفترة انتقالية تتصادم فيها حرية المرأة مع كُلّ المفارقات التي تعترضها، فليس من المستغرب، أن تتمرد النساء على الكثير من التقاليد والاعرافُ، وليس من المفاجئ أن نسمع صوت ابتهاجها من حينٍ لآخر عندما تنْجحَ في انتزاع حق من حقوقها الطبيعية، أَو في الانتصار على أحد مظاهر ظلمِها أَو استثنائِها مِن قِبل مجتمعِها. ولكن في البداية علينا ان نقر بان مجتمعا لا توضع فيه المرأة قيد المساواةِ مَع الرجلِ، هو مجتمعَ ناقص ولا يُقدّر تحديات القرنِ الحادي والعشرينِ ولا يعمل حساباً دقيقاً لتطلعاته من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة نحو سنة 2030 والتي أطلقتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2015، أو أن هذا المجتمع، ربما لا يزال في غفلة عن اهم سمات التطور الاجتماعي المتمثل في الثورة العظيمة لتحرير المرأة من القيود التي فرضت عليها ردحاً طويلاً من الزمن.
فالتاريخ العالمي وخاصة تاريخنا العربي مليء بالدلائل على النساء العظام مثل: بلقيس ملكة سبأ في اليمن و زنوبيا في تدمر وشجرة الدر في الشام وكليوباترا في مصر, وفي العصر الحديث برزت المرأة العربية في العلوم, أمثال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى والتي للأسف تم اغتيالها من قبل الموساد الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1952 ولكن المرأة العربية لم تقف الى هذا الحد فها هي المكتشفة العربية السعودية غادة المطيري قد حازت على جائزة الإبداع العلمي في الولايات المتحدة عن أبحاثها في علم الفوتون، وكذلك ذاكرة التاريخ لن تنسى المهندسة المعمارية العراقية زها الحديدي التي حازت على جائزة بريتزكر للعمارة. كما حضرت المرأة العربية أوقاتِ الحروبِ وحركات التحررِ الوطنيةِ، امثال المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد التي ناضلت الاستعمار الفرنسي في بلدها الجزائر.
أما عالمياً فقد برهنت المرأة على قدرتها على إدارة الأمور واستمرارية الحياة العملية وإدارة المصانع أثناء غياب الرجال، وأصدق مثالاً على ذلك ما قامت به المرأة الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية. وهكذا يكفي للمرأة بصورة عامة أنّ انعتاقها كَانَ من جهدها الخاص والمتميز، عبر الازمات الاقتصادية وأثناء النزاعات والحروب.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها رعيل من الكتاب والمفكرين والمناديين بحرية المرأة في وقت مبكر أمثال قاسم أمين الذي اشتهر بزعامة الحركة النسائية في مصر حوالي سنة 1890، وعلى الرغم من حركات التحرر والمؤسسات النسائية والمواثيق الدولية في ستينيات القرن الماضي والتي اعترفت بحقوق المرأة كمواطنة متساوية مع الرجل، إلا أن المرأة مازالت تواجه كثيراً من العراقيل حتى في الدول المتقدمة التي لم تلتزمُ بتطبيق بنود الحريةِ والمساواةِ الحقيقية، أو مستبعدة في كثير من دول العالم الثالث، وهي مستعبدة أيضاً في بعض دول افريقيا واسيا التي لم تنتهي بها مسيرة إذلال المرأة بعد.
وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي تحقق للمرأة في الحقب الماضية إلا أنه من الصعب إخْفاء التقهقر الذي حدث لمنزلة المرأة في كثير من دول العالم خاصة في الوطن العربي الذي تعرض للحركات المتشددة والتي حصرت مهمة المرأة في الإنجاب والطبخ وتربية الأطفال، فانقلبت الصورة وأصبحت المرأة العربية في الحاضر كأنها جدة المرأة في ستينيات القرن الماضي وليس العكس. فقد أشار التقرير الصادر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أنّ أمية المرأة العربية عمليّة مُمنهجة ومدروسة تقودها بعض التيارات الظلامية الدينيّة المُتشدّدة، التي تعمل على تهميش المرأة في حياة المجتمع، وكثيراً ما يتم ذلك أيضاً باسم القيم والأعراف والأخلاق والعادات والتقاليد المغلوطة، وفي كثير من الأحيان يُعارض بعض الرجال خروج المرأة من حالة الأميّة الى آفاق معرفية معينة تُهدد توازنات وأعراف قديمة اعتادوا عليها داخل العائلة أو مجتمعاتهم المحلية.
وبالنظر الى عالمية حركة تحرير المرأة فأنها بَدأتَ بأساسياتِ التعليمِ، وكتابة عناوين ودروس حريةِ المرأة على ألواح الفصول المدرسية، وفي الكُتُبِ المنهجية وكتابة المقالات الصحفية، والرسم على اللوحات الجدارية بالمدرسةِ، ونمت ردود الفعل من أجل المساواة بين الجنسينِ؛ ومن هنا يمكن التأكيد على إعطاءِ أولويةَ تعليمِ العنصر النسائي في استراتيجيات الاستثمار العام والمساعدة التنمويةِ للتخلص من التفاوتِ الناشئ بين المرأة والرجل للوصولِ إلى جميع مستويات التعليمِ، وإلى كُلّ المجالات بدون استثناء.
لذلك فإنّ مكافحة الأمية في جميع دول العالم، وتجاه المرأة على وجه الخصوص لا تعتبر شرطاً أساسياً من أجل التنمية الحقيقية والمستدامة فقط، بل تُعتبر بمثابة شرطاً أساسيّاً لبناء مجتمع الديمقراطية والمساواة الذي يُمكّن أكثر من نصف المجتمع من اكتساب المعارف اللغوية والعلمية الحديثة، لأنّ الشراكة في بناء المساواة هي اللبنة الأولى في بناء الصرح التنموي الديمقراطي الذي تحلم به كل المجتمعات. والأمر على هذا الشاكلة يستدعي تدخلاً عاجلاً من الحكومات والقوى النسائية ومن المدافعين عن حقوق المرأة وجمعيات حقوق الإنسان العالمية من أجل محاربة الأُميّة والجهل والفقر المنتشر في العديد من دول العالم وفي البلدان العربية بشكل خاص مما يدعو الى الخجل.
وهناك إجماع في المجتمع الدولي على أن التعليمِ، وخصوصاً تعليم المرأة يُعد من أفضل مجالات الاستثمار التي ستُحدث تغيراً في العالم وأن إغفال صوت المرأة يعني إسكات نصف صوت الأرض، لأن المرأة ليست مشكلة بل هي حَلّ للعديد من القضايا، وما علينا إلا مواجهة الحقائقَ، بترك المرأة تَحرر نفسها، لأنها وسيلة لحل العديد من المشاكل التي تعرقل النمو؛ وجواب للعديد من التساؤلات المطروحة على أجندة أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، ومستقبل الأجيال القادمة.
ومع وصولِ القرنِ الحادي والعشرينِ، هناك ما يبعث على الأمل وهو الإجماع الواسع جداً داخل المجموعة الدوليةِ، على إعطاء الأولويةِ لتعليمِ المرأة، ولم يَعُدْ هناك مجرّد اعتقاد بأن حركة تعليمِ المرأة تسهم مساهمة كبيرة في تطويرِ المجتمع أينما كان بل هي حقيقة قائمة.
وعلى الرغم مِنْ حاجتها للخدمات الصحية والغذائية المحددة، خاصة في الدول النامية، إلا أن المرأة مازالتَ أقل رعاية مِنْ الرجلِ. وطبقاً لمنظمة الصحة العالميةِ (WHO)، تمُوتُ سنويا حوالي 600,000 امرأة مِنْ جراء التعقيداتِ المتعلقة بالحملِ أَو الولادة؛ 99% من هذه الحالات تحدث في الدول الناميةِ. بالإضافة، الى أن حالات الإجهاض التي تتم في الظروف غير الصحيةِ تتسبب في وفاةَ 100,000 امرأة سنوياً. وتُعد المرأة هي الضحية الأساسية لظاهرة الفقر العالمية فمن بين 1.3 بليون شخص يَعِيشونَ حالة الفقر المدقع، تمثل المرأة 70% من هذا العدد. ويرى العديد مِنْ الخبراءِ أن الفقر المُدقعِ، في أغلب الأحيان تصحبه ظاهرة التمييزِ، ويتسبب في وفاة ملايينِ النِساءِ والبناتِ كُلّ سَنَة، خاصة النساء المسنات.
يُشيرُ ميشيل اولاينون (Michele Aulagnon)، بأن الفقر يشكل خطراً كبيراً على المرأة أكثر من الرجل، خصوصاً بعد عُمر معين، عندما تعتمد أنظمة المساعدات الاجتماعيةِ على مبدأِ الدفع المرتبط باستمرارية العمل.
ومن الملاحظ أن عدد النِساءِ الفقيراتِ تضاعف في المناطق الريفية في الحقبة الزمنية الماضية. وهذه الظاهرة يراها جاى هرزليش (Guy Herzlich) على أن المجالات العامّة والخاصّة والمؤسسات والأسواق تَتخلّلُ أحدهما الأخرى كما يؤيد ذلك تقرير البنك الدولي، فعلى سبيل المثال، تُواجهُ النِساءَ صعوبةً عظيمةً في الحُصُول على القروض وشراء السلعِ، وتعامل النساء في أغلب الأحيان بطريقة غير مناسبة في الميراثِ. وفي دول الجنوبِ تشغل المرأة العديد مِنْ الوظائفِ في القطاعات الشكلية وتتحصل على مكافأة ضئيلة؛ وقلما تحظى بالحماية المقنعةَ. ففي أفريقيا، دَفعتْ أزمة وندرةَ الإمكانيات الاجتماعيةِ الاقتصاديةِ النِساءَ إلى الالتجاء للقطاعِ الشكليِ. وطبقاً لمنظمة اليونيسيف، يعمل حوالي 60% مِنْ النِساءِ النشيطاتِ اقتصادياً في أفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى لرعاية أسرهن، وهي النسبة الأعلى في العالمِ. ولكن في أغلب الوقتِ يَنحصرنَ في نطاق ضيقِ، وفي نشاطات غير مربحة.
ومن جهةِ أخرى، لَمْ يُؤدّ تحسين التدريب للمرأة حتىّ الآن إلى الدخلِ المطلوب للمرأة، ولا الى المساواة الفعّالة في الحقوقِ أَو الاعترافِ الاجتماعي ِبحقها. وفي جميع دول العالم، تتقاضى النساء رواتب أقل مِنْ الرجالِ لنفس العملِ، وتشير تقارير منظمة العمل الدولية بأنّ رواتب النساء تمثل فقط ثلاثة أرباعَ رواتب الرجالِ أي 30% مِنْ دخلِ الراتبِ العامِّ. ورغم المعيارِ التربويِ مقارنة بالرجالِ، خصوصاً في الدول الصناعية، فمازالت المرأة تُمْنعُ من الوصول إلى مواقعِ المسؤوليةِ، خصوصاً في القطاعِ الخاصِّ. أما إدارات الشركاتِ والعديد مِنْ المناصبِ الكبيرةِ في الخدمة المدنيةِ تُغْلقُ أمامهن. وباختصار، الأغلبية الكبيرة من النساء يَنحصرُن في الخدمات الزراعة المعيشية والوظائف المكتبيةِ قليلة الدفعِ وفي الوقت نفسه، فإن البطالة ونقص فرص العمل يُؤثّرانِ على النِساءِ أكثر من الرجال في كُلّ مناطقِ العالمِ. وطبقاً لبرنامج الأمم المتحدة للإنماءِ، يظل الوصول الى الدخل المستقل للمرأة، هدفاً بعيد التحقيق.
أما على الصعيد السياسي العالمي، فتَحتلُّ النِساءَ 11.8% فقط مِنْ المقاعدِ البرلمانيةِ، وهذه النسبةِ تصل الى 30% فقط في أربعة دول و9.9% من كُلّ المناصب الوزارية الصغرى التي تحملها النِساءِ. وعلاوة على ذلك، 7% فقط مِنْ الحقائب الوزارية تحملها النِساءِ، فالمعدل يَتراوحُ مِنْ 6% في المناطق الأقل تطوّراَ إلى 13% في الدول الصناعية. ومن الواضح ان اشتراكِ النِساءِ في المجالاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ لَمْ يرتْبَطُ بالضرورة مع مدى تطور الدولة. ومن هنا يلزم تسهيّلْ وصولَ المرأة إلى مواقعِ المسؤوليةِ السياسيةِ والإشرافِ والتوجيهِ، وبالأخذ في الاعتبار هدفَ الوصول إلى نسبة 30% من التمثيل النسائي في البرلماناتِ، والحكومات المحليّة، وهي النسبة الموصى بها مُنذُ سنة 1990، من قبل لجنةِ الأُمم المتّحدةَ لمكانة المرأة، كحَدّ أدنى من الهدف الذي يَجِبُ أَنْ يُنجَزَ في بَعْض المؤسسات صاحبة القراراتِ الرئيسيةِ في كُلّ بلد. كما أن حقوق الإنسان يَجِبُ أَنْ تُترجمَ كما لو كانت حقوقَ إنسانيةِ مشروعة، للمرأة والرجل، وعلى أساس المساواة الصارمةِ. ولكن في كثير من المجتمعات، مازالت المرأة محرومة من التمتع بالمساواة مع الرجل خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوقَ الملكية والميراثِ وهذه المظاهر شائعة في البلدان العربية بشكل كبير. ومن الملفت أن اتفاقية إزالةِ كُلّ أشكال التمييز ضدّ النِساءِ، التي تَبنتها الأُمم المتّحدةِ سنة 1979، وبالرغم من التصديق عليها في نهاية سنة 1998 من قبل 161 دولة، إلا أن العديد مِنْ الحكوماتِ أخفقتْ في تنفيذها.
فعمليةَ التقليل من قيمة المرأة، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للإنماء، يَبْدأُ حتى قبل الولادةِ؛ ويترك بصماته على المرأة في مرحلة الطفولة ويصبح مكوّنا لشخصية المرأة في مرحلتي النضج والزواجِ، كما أن الشكل اليومي مِنْ العنفِ يبدأ من البيت فطبقاً للدِراساتِ التي أجريت في تشيلي، المكسيك، وجمهورية كوريا الجنوبية، فإن ثلثي النِساءِ على الأقل أُخضعنَ في حياتِهن إلى نوع من العنف المنزلي. ويشير برنامج الأمم المتحدة للإنماءُ أن هذه الظاهرة في ألمانيا؛ تُؤثّرُ على أربعة ملايين امرأة كُلّ سَنَة؛ وفي فرنسا، تضرب مليوني امرأة مِن قِبل أزواجِهن؛ وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يبلغ عدد النساء اللواتي يعذبن من قبل أزواجهن أربعة ملايين امرأة؛ وكذلك في كندا واليابان وكوريا الجنوبية بنسب متفاوتة.
وطبقاً للدِراساتِ المتوفرةِ، فإن العنفِ الزوجيِ يمثل السببُ الرئيسيُ للانتحارِ بين النِساءِ، وأن حوالي 25,000 امرأة في الهند تَحرقُ حتّى الموت كُلّ سَنَة بسبب النزاعاتِ على المهرِ أو أمور تتعلق بالزواج. كما بينت دِراسات أخرى أجريتْ في كندا، نيوزيلندا، المملكة المتّحدة، والولايات المتحدة الأمريكية أن من بين كل ستة نساء تغتصب واحدة منهن أثناء حياتِها. وطبقاً لتقديرات الأُمم المتّحدةِ يتم دفع مليون طفل، معظمهم من البنات كُلّ سَنَة، إلى جحيمِ الدعارةِ في آسيا. كما تشير بيانات لبرنامج الأمم المتحدة للإنماءِ، أن هناك 100 مليون بنت تعاني من التشويهِ في الأعضاء التناسلية، وكذلك مليوني بنت ضحيّة العنف والاغتصاب كُلّ سَنَة.
ويُعد الإجهاض الانتقائيَ في مقدمة أنواع العنف الجديدة التي تتمثل في إزالة الأجنّةِ ووأدِ البنات الصغيراتِ، الأمر الذي مازال متبعاً في بعض مناطق آسيا، وقد يعمل التقدم التكنولوجي إلى إساءة هذه الحالةِ إذا أَستمرُّ تصنيف المرأة في مجتمعاتِنا كمصدر للمشاكلِ بدلاً مِنْ أنها ثروة معطلة.
وبناء على الاستطلاعاتِ التي أجريت في آسيا، أبرزَ الاقتصاديون الأخطارَ الرئيسيةَ التي ترتبطْ بسوءِ استخدام الأشعة فوق الصوتية التي تَسمحُ بالتعرف على جنس الجنين بغرضِ اختيارِ جنسِ المولود. وبينما في الظروف الطبيعية يولد 106 ذكر مقابل 100 بنت، ولكن هذا لَمْ يعُدْ الوضع في بَعْض الدول الآسيويةِ، فنسبة الجنسَ تُعد طبيعية للطفلِ الأولِ لكن تتغير إلى حدٍّ كبير في الولاداتِ اللاحقةِ. ففي الصين يولد 120.9 ولدُ مقابل 100 بنتِ للطفل الثاني.
فالآباء عادةً ما يقومون بعملية الكشف بالأشعة وبعد ذلك يُقرّرونُ سواء الإجْهاض أَو مُوَاصَلَة الحملِ: المشكلةِ نفسها تَحْدثُ في الهند، حيث يتخوف العديد من الأباءِ من تكاليف زواج البنت وقد جرت العادة بأن أب البنت هو الذي يقوم بدفع تكاليف الزواج. وطبقاً لمجلّةِ الرفاهيةِ العائلية (Family Welfare)، فإن من بين 8,000 عملية إجهاض في مدينة بومباي (Bombay) بعد الكشف بالموجات فوق صوتية للتعرف على جنس الجنين، تم إجهاض ذكر واحدَ أي أن المستهدف بعملية الإجهاض هي الأنثى. وعلى الرغم من مَنعْ عملية الإجهاض الانتقائي في كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية، غير أن القواعدَ الإنسانية من الصعب فرضها في الحياة العاديةِ: فمن الناحية العملية قد تكفي الإشارة من الطاقم الصحي عن الَكْشفَ عن جنسَ الجنينِ. وكُلّ هذا يَحْدثُ في تواطؤ ضمنيِ، ونَتائِجَ هذه الممارساتِ ملموسة جداً في بَعْض مناطقِ العالمِ، حيث أصبح عدد الرجالُ يفوق عدداً النِساءَ بنسبة خمسة إلى واحد.
ومن هنا يبرز دور اللجان الاخلاقية للتصدي لما يترتب على التشخيص المبكر للجنين الذي قد يستغل في عملية الإجهاض القصري الذي يتعارض مع كل الأديان والأعراف.
وتجدر الإشارة لنشاط اللجنة العربية لأخلاقيات العلوم والتقانة التي اسسناها في بدايات هذه الالفية الجديدة وبهذا الخصوص خلصت التوصيات المنبثقة عن ندوة « كيفية التعامل مع الجنين المشوه »، التي أقامتها اللجنة العربية للأخلاقيات البيولوجية بالقاهرة في الفترة من 20-21 مارس 2005، وبناء على مشورة كل من فضيلة الشيخ محمد طنطاوي شيخ الأزهر، وقداسة البابا شنودة الثالث، بأنه يجوز إجهاض الجنين المشوّه قبل الولادة، بشرط ثبوت إصابته بتشوّه خلقي حاد، يمنعه من ممارسة نشاطه كإنسان فاعل في المجتمع. كما قد تكون تلك الإعاقة سبباً في تعاسته ومعاناة أسرته في حال ولادته ونموّه مستقبلاً.
وقد حاول الاقتصادي امارتاي شن (Amartya Sen) تقدير عددِ الأجنّةِ التي يتم إجهاضها من جراء عملية وأد البنات. فبناء على تقديراته أن هذه الممارساتِ تسبب خسارة تقدر بحوالي 100 مليون امرأة مِنْ السكانِ بالعالمَ. ومن الملفت أن نسبة الذكور إلى الإناث في الهند هبطت منذ أوائل القرنِ العشرينِ، على خلاف ما هو عليه في أكثر دول العالم. فإذا أردنا إنهاء هذا النوعِ مِنْ الممارسة، فإنه يجب على المجتمع أَنْ يَمْنحَ المرأة دوراً وسلطات حقيقية تَسْمحِ لها بأَنْ تعامل مثلها مثل الرجل.
وقد انتهى مؤتمر بكين سنة 1995 الى خلاصة إنّ العنفِ ضدّ المرأة يُشكّلُ انتهاكاً لحقوقِها وحرياتِها. وعلى ضوء هذا المؤتمرِ، شجعت منظمة اليونسكو عدداً مِنْ الأفرادِ البارزينِ لتَوْقيع إعلان مساهمةِ المرأة في ثقافة السلامِ وقد وقع هذه الوثيقة أكثر من ألف شخصية بارزةِ ورؤساءِ دول أَو حكومةِ وحائزون على جائزة نوبل للسلامِ ورؤساءِ وكالاتِ للأُمم المتّحدةِ.
وفيما يخص ساعات العمل، تشير بياناتَ الأُمم المتّحدةِ، في معظم دول العالمِ، بأنّ النساء يعملن ساعاتَ أطولَ مِنْ الرجالِ. وهناك عدمَ تكافؤ في عددِ ساعاتِ العَملَ بين الرجل والمرأة كبير جداً في الدول الفقيرةِ. ففي الدول الناميةِ، تعمل النِساءَ بمعدلَ 12 إلى 18 ساعةِ في ِاليوم لعدد من الأنشطة المُخْتَلِفةِ، بينما المعدل يتراوح مِنْ 8 إلى 12 ساعةِ للرجالِ.
إضافة إلى ما تقدم، فإن المرأة في أغلب الأحيان لا تمتلك أرضاً باسمها، فهي مقيدة بقوانينِ غير عادلة، ومِن جراء العاداتِ والتقاليد الجائرة. وكل هذا بالطبع لَه نتائجُ سيئة، ويحرم المرأة من وسيلة الوصولَ إلى مصادرِ الإنتاجِ ولا يُمكنها التخطيط أو السيطرة على الدخل العائلي، الذي يحفظ أمنَهُا وأمن أطفالِها الاقتصاديَ. وبالمقابل تشير التقارير في العديد مِنْ الدول الناميةِ، الى هبوط مساهمة الرجالِ في الدخل العائلي، بسبب هجرةِ الذكورِ المتزايدةِ إلى المدن وحالات الطلاقِ والهروبِ أيضاً.
من هنا يمكننا القول بان عدم التوازن المؤسس بين الرجالِ والنِساءِ ينتج عنه عدمَ توازن الثروةِ، وعدم توازن المعرفةِ العلميةِ والتقنيةِ من خلال التعليمِ. وهذا يتنافى مع حقوق الإنسان الأساسية العالمية التي يمتلك فيها كُلّ شخص الحق في كُلّ الحقوق والحريات المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبدون استثناء بناء على الجنسِ، اللون، اللغة، الدين، الرأي السياسي أَو أي أفكار أخرى. فالقانون لا يمكن أن يطبق بصورة مختلفة لمجموعتين من المواطنين. وكما أكدت ماري روبنسن (Mary Robinson)، مندوبة الأُمم المتّحدةِ لحقوقِ الإنسان:” إنه’ يَجِبُ أَنْ نُوسّعَ لغةَ حقوقَ الإنسان لدَمْج الأبعادِ التي جاءتَ ليُعترف بها كأبعاد لا غنى عنها مثل: الجنس، الاستدامة، سلامة البيئة .“
وقد بينت العديد مِنْ الدِراساتِ بأنّ المرأة تستعمل ما تتقاضاه من مال لتَغْطية المصاريف الصحيةِ والتعليمية لأطفالها أَو تعيد استثماره؛ أما الرجالِ فيوظفون أموالهم للاستعمالات الشخصيِة. ومن التجارب المفيدة التي استهدفت مساعدة المرأة على تَمويل المشاريعِ الصغيرة مثل بنك جرامين (Grameen)، وصل الى خلاصة مفادها أن المرأة إذا تحصلت على القروض الصغيرة فإنها تلعب دوراً أكثر نشاطاً من الرجل في المعركة ضد الفقر. وقد لوحظ أيضا أن المرأة أفضل من الرجل من حيث حسن استعمال القرض ودفع الديون المترتبة على عملية الاقتراض. فالمرأة تقترض المال وتستفيد منه ثم تسدد ما عليها بالتزام تام. ونظراً لأن الأم هي الأقرب إلى أطفالِها من الأب، فهي أحسن من الرجل في التخطيط للأسرة، ومن هنا يتبين أهمية ضمانْ الوصولَ المساويَ للنِساءِ في الاقتراض وعملياتِ اتّخاذ القراراتِ الاقتصاديةِ.
إلا أننا ومن وجهة نظرنا، لا زِلنا بعيدين مِنْ المساواةِ الفعّالةِ التي تطمح لها المرأة، فمن المفيد التَذْكير بأنّ مساواةِ الحقوقِ بين النِساءِ والرجالِ هو مبدأ معترف به عالمياً من قبل ميثاق الأمم المتحدةِ. وتم تأكيده في إعلانِ (فيينا) لحقوقِ الإنسان في مؤتمرِ الأُمم المتّحدةِ سنة 1993 والذي تَبنّته 171 دولة.
رغم ذلك لا زالت الفوارق تظهر حتى في ابسط الحقوق وأوضحها وهي الأجور سواء في الدول النامية أو الدول الكبيرة والمتقدمة، ففي السنة الماضية 2017 وعلى هامش أعمال لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة في دورتها الحادية والستين لتفعيل مبدأَ « أجر متساوي للعملِ بين المرأة والرجل » الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دعا نشطاء ومشاهير وممثلون عن الحكومات إلى قفل فجوة الأجور بين الجنسين على مستوى العالم، بهدف حشد التعبئة وسد الفجوة العالمية في الأجور بين الجنسين.
ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، تجني النساء 77 سنتا مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل، وتقدر الفجوة في الأجور بين الجنسين بـ 23%، ولكن هذه النسبة تزيد في بعض الدول. ويقدر بأن يستغرق الأمر سبعين عاما لإغلاق هذه الفجوة في الأجور بين الجنسين إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه. ويعود أحد الأسباب الرئيسية لفارق الأجور بين الجنسين إلى أن النساء يميلن إلى التركيز على وظائف مرتبطة بالتعليم والرعاية الصحية أو رعاية الأطفال، وهي وظائف عادة لا تحظى بأجور مجزية.
وفي هذا الصدد قال آمين عام الأمم المتحدة السيد انتونيو جوتيرس (Antonio Guterrres): » في عالم يهيمن عليه الذكور يجب أن يكون تمكين المرأة مهمة رئيسية بحيث تمتلك النساء العوامل اللازمة للنجاح لتحطيم الحواجز التي مازال الرجال يهيمنون عليها حتى في الدول التي تعتبر نفسها متقدمة« . وأكد بوتيرس أن المساواة الوظيفية بين النساء والرجال يمكن ان تضيف 12 ترليون دولار للنمو العالمي خلال العقد المقبل.
ولهذا فالمرأة يجب أن تعتبر من أهم الاستثمارات الواعدة للتغييرِ في المستقبل. أما اليوم؛ فإن المؤسسات الدولية، وبنوك التنمية، والبنك الدولي ومنظمة اليونسكو، التي كَانتْ الرائدةَ في هذا المجال، تَضِعُ ثقتها في المرأة كمفتاح للتطويرِ. وهكذا شيئا فشيئا تدخل المرأة ميادين العمل، خصوصاً في القطاعاتِ غير الحكومية، ومشاريع الاقتصاديات الصغيرة. ونظراً لأنها تمثل نِصْف قوة البشرِ نحو الابداع، فيجب أن تعطى الوسائلَ في النشاط الاقتصادي وفي كُلّ مجالات النشاطات الفكرية والعلمية.
ومن هنا يبرز دور الحكومات والمؤسسات لتعزيز مكانة المرأة في المجتمعِ، بالحث على التعليم الإلزاميِ للبناتِ، وتمكين النِساءِ من التعليمِ الدائمِ ومن الاستفادة من التقنيات الحديثة، وتشجيعها على ريادة العلوم التطبيقية، والتَرويج لتمكين البناتِ والنِساءِ من التعليمِ العلميِ والتقنيِ وإبراز مهاراتِهن على قدم المساواة مع الرجل، حتى تتمكن المرأة من القدرة على المُشَارَكَة بشكل فعال في حركة التطوير المطلوبة.
وقد اهتمت منظمة اليونسكو بمشروع التعليم الدائم للمرأة وناقشته في مؤتمرِ جومتن (jomtien) سنة 1990، ومبادرة نيودلهي لأكبر تسع دول سنة 1993، والمؤتمر الدولي لتعليمِ البالغين، في هامبورغ سنة 1997. وبناء علية أصبح هذا المشروع نقطة تحوّل رئيسية في مجال التعليمِ.
أما فيما يخص المنطقة العربية تحديدا، فبناء على تقرير الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ان عدد الأمييّن الكلّي في العالم العربي يقدر بنحو 68 مليون شخص، وتمثل الإناث نسبة 49.4%. وتتركّز أعلى مُعدلّات الأميّة في الدول العربيّة في خمس دول هي مصر والسودان والجزائر والمغرب واليمن، ويبلغ عدد الأميّين فيها نحو 48 مليوناً يمثلون نحو 71% من مجموع الأميّين في الوطن العربيّ ككُل. وتتفاوت مُعدّلات الأميّة في الدول العربيّة إذ تتراوح بين 13 % في البحرين والكويت و62 % في موريتانيا، وتتجاوز 50 % في اليمن والمغرب.
وبنظرة عامة للمنطقة العربية، ربما يحدونا الأمل في التغلب على معضلة الأمية المصحوبة بالتقهقر الحضاري عن بقية دول العالم. فعلى الرغم من أن مجتمعات هذه المنطقة تشترك في الكثير من القواسم المشتركة إلا أنها تختلف فيما بينها عندما يتعلق الأمر بنوعية الحكم، وبعض النظم الاقتصادية والاجتماعية والأجور.
ففي هذه المنطقة نجد إحدى أعلى معدلات الخصوبة البشرية في العالم. حيث يبلغ معدل النمو السكاني السنوي 2.3 %، مقارنة بمعدل النمو 0.6% في الدول الصناعية و1.9 % في الدول النامية. ويبلغ عدد السكان أكثر من 300 مليون نسمة بمعدل الخصوبة 3.7 طفل لكلّ امرأة، بينما المعدل العالمي 2.8 وأن نسبة 40 % من السكان شباب بعمر 15 سنة.
وتتميز المنطقة العربية بأهمية استراتيجية بالغة، وذلك بسبب ثرواتها من النفط والغاز الطبيعي حيث تحتوي على 57٪ من احتياطيات النفط في العالم 28٪ من الغاز.
والسؤال الان وبناء على هذه المعطيات، هل من الممكن أن نخرج من علة الإخفاق ونُحدث في هذه المنطقة معجزة القضاء على الأمية والتغلب على الفقر والنهوض بالمرأة واستثمارها وادراجها في استراتيجيات التنمية خطة أهداف التنمية المستدامة نحو عام 2030 وإعدادها كمدرسة لبناء أجيال المستقبل، كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم منذ عقود:
من لي بتربية النساء فإنها……في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعدتها………أعدت شعبا طيب الأعراق.
المصدر: مندوبية ليبيا لدى اليونسكو (ع.ق.م)