مكافحة كراهية الإسلام في المدارس
2012/11/13
كيف يمكن للمدارس أن تعزز التسامح والاحترام المتبادل في عالمنا الذي يتسم بالتنوع والعولمة بصورة متزايدة؟ اجتمع عدد من مهنيي التربية وراسمي السياسات التعليمية الأوروبيين والأمريكيين في مقر اليونسكو بباريس، في 5 نوفمبر، للبحث في مسألة « العولمة والتنوع والتلاحم الاجتماعي في البيئات التعليمية ».
وكانت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، قد شددت، في كلمة ألقتها الشهر الماضي في نيويورك عن موضوع التعليم الخاص بحقوق الإنسان على أن استحداث أساليب جديدة للعيش معاً في عصر التنوع يبدأ في المدرسة حيث قالت: « من خلال التعليم، يمكننا أن نبعد أولادنا عن الكراهية منذ مرحلة الطفولة المبكرة وأن نربي قادة متمسكين بقيم التسامح. ومن خلال التعليم، يمكننا أن نبني ثقافة مستدامة للسلام ».
ويشكل الاجتماع الذي عقد في نوفمبر والذي شارك في تنظيمه كل من اليونسكو ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا الحدث الثاني ضمن سلسلة من ثلاثة اجتماعات مترابطة من حيث الموضوع. وقد عُقد الاجتماع الأول في فيينا، في شهر سبتمبر الماضي، وركز بوجه خاص على مسألة « مكافحة التعصب ضد المسلمين من خلال التعليم في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية ». أما الاجتماع الثالث والأخير المزمع عقده في وقت لاحق من هذا العام، فسيتطرق إلى موضوع « تعزيز التفاهم والتسامح في البيئات التعليمية المتعددة الثقافات ».
وركزت المناقشات على مطبوع أعدته اليونسكو مع شركائها بشأن سبل « التصدي لكراهية الإسلام من خلال التعليم » وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ التوجيهية ترمي إلى مساعدة المربين على تحديد أشكال التعصب والتمييز التي يتعرض لها الطلبة المسلمون في المدارس، وتقديم حلول لمنع حدوث هذه الحالات والتصدي لها. وكُتب في مقدمة هذا المطبوع أن « »الحرب على الإرهاب »، والأزمة الاقتصادية العالمية، ومشاعر القلق المرتبطة بالهوية الوطنية، وصعوبة التكيّف مع واقع ازدياد التنوع في الكثير من المجتمعات هي مسائل أدت إلى تنامي الامتعاض إزاء المسلمين والإسلام، وهو أمر أسهمت في تأجيجه لغة التعصب التي استُخدمت أحياناً في وسائل الإعلام والخطابات السياسية ». ويفيد المطبوع بأنه يترتب على كراهية الإسلام تأثير سلبي « ليس فقط على الشباب، بل أيضاً على آبائهم وعلى المعلمين وغيرهم من العاملين في مجال التعليم. ويشكل ذلك تحدياً جديداً بالنسبة إلى المربين. ففي حين لا يمكن للمعلمين أن يعالجوا أوجه التوتر السياسي والاجتماعي بين المجتمعات المحلية، فإنه يتعين عليهم الاضطلاع بدور مركزي في تحديد مواقف الشباب وأنماط سلوكهم ».
ولا بد من الإشارة إلى أن تعزيز التفاهم واحترام التنوع ومكافحة جميع أشكال التعصب والتمييز ترتبط ارتباطاً وثيقاً جداً بالسلام. فالمواقف وأوجه التوتر التي تؤدي إلى نشوب نزاعات بين المجتمعات المحلية غالباً ما تجد جذورها العميقة في القوالب النمطية والتصورات الخاطئة. ويكمن أحد أكثر التحديات المعاصرة إلحاحاً في تشجيع التعرف على الثقافات الأخرى وفهمها. وينص الميثاق التأسيسي لليونسكو على أنه « لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام ». ويؤدي التعليم دوراً أساسياً في هذا الصدد فهو يوفر الأسس التي ترتكز عليها حصون السلام.
ومن خلال تعزيز القيم المشتركة والنهوض بأشكال جديدة للمواطنة العالمية، يتيح التعليم حماية كرامة جميع الأشخاص، بصرف النظر عن نوع الجنس، أو الأصل، أو الهوية الوطنية أو الإثنية أو الدينية. وهذا هو هدف مبادرة « تعليم احترام الجميع » التي استهلتها اليونسكو في يناير 2012 مع البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية من أجل إعداد مواد تعليمية ومناهج دراسية ترمي إلى نبذ العنصرية. ولهذا السبب أيضاً، تضطلع اليونسكو بدور ريادي في تعزيز التعليم بشأن مأساة محرقة اليهود، الذي يشكل نقطة انطلاق أساسية في التعليم الخاص بحقوق الإنسان والذي يشمل الدروس المستخلصة من الإبادات الجماعية الحديثة.
وهذا هو الأساس الذي تستند إليه اليونسكو في جهودها الرامية إلى التخلص من القوالب النمطية التي تنطوي عليها الكتب المدرسية والتي تولّد أوجه تفاوت بين الناس وتؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان وإلى نشوب أعمال عنف في بعض الحالات. وفي إطار مبادرة « التعليم أولاً » التي استهلها الأمين العام للأمم المتحدة، ستقوم اليونسكو بكل ما في وسعها لتوجيه قدراتها نحو تسخير التعليم بوصفه قوة من أجل السلام، ونحو تطبيق القيم المشتركة بين الناس تطبيقاً فعلياً.