تلوث المحيطات ومعالجة أسبابها الجذرية
2013/06/10
للمحيطات والبحار مكانة هامّة في حياة الشعوب، فهي تغطّي أكثر من 70 بالمائة من مساحة الكرة الأرضيّة، و تفيد التقديرات أنّ بين 50 و 80 بالمائة من أشكال الحياة تقع تحت سطحها، وهي رئات كوكبنا الّتي تمدّنا بمعظم الأكسجين الّذي نحتاجه للتنفّس إضافة إلى كونها تؤدّي دورا حيويّا في الحدّ من التقلبات المناخيّة، وتمتصّ قرابة 25 بالمائة من ثاني أكسيد الكربون المضاف إلى الغلاف الجويّ. وهي أيضا مصدر رئيس للأغذية والأدويّة، فضلا عن أنّها تؤدّي دوراً حاسم الأهمية في المحيط الحيوي. ويُعد « الاقتصاد الأزرق » المراعي للمحيطات عنصراً أساسياً في حياتنا اليومية، إذ يعتمد واحد من كل أربعة أشخاص على الأقل على المنتجات الغذائية البحرية كمصدر رئيس للحصول على البروتين. كما تمثل الموارد والصناعات البحرية والساحلية أكثر من 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على الصعيد العالمي، فضلاً عن أن 90 بالمائة من التجارة العالمية تتم بالنقل البحري. ومع التقدم التكنولوجي، تتكاثف الأنشطة الاقتصادية في المناطق الساحلية والمياه العميقة وتتنوع أكثر فأكثر. لكن وللأسف فإنّ ما تعيشه هذه المساحات المائيّة اليوم من حالات تلوّث وإهمال يدعو لدى العقلاء إلى إطلاق صيحة فزع، وإلى ضرورة العمل على إنقاذ محيطاتنا، فهي ومواردها آخذة في التدهور، إذ أنها تواجه ضغوطاً متزايدة ناجمة عن مختلف أنواع التلوث والاستغلال المفرط. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه بالنسبة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فقد يفضي ذلك إلى زيادة حموضة المحيطات بما يعادل 150 بالمائة بحلول عام 2100، وهو ما يعرض للخطر السلسلة الغذائية بأكملها، إضافة إلى النظم الإيكولوجية الرئيسية، مثل الشعب المرجانية. ومن ثم فإن الحفاظ على نوعية الحياة التي توفرها المحيطات للبشر، إضافة إلى كفالة سلامة النظم الإيكولوجية للمحيطات، إنما يقتضي إحداث تغيير في كيفية رؤيتنا وتنظيمنا وإدارتنا واستخدامنا لموارد المحيطات والمناطق الساحلية.
فكان أن سمعنا هذه الصيحات تعلو من داخل منظمة اليونسكو التّي عملت على طرح هذا الموضوع للدراسة والتحليل لغاية تكاثف الجهود في التصدّي لظاهرة الخراب هذه. عقدت اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات في جزئها » قطاع العلوم الطبيعيّة » يوم 3 يناير 2013 اجتماعاً، تمّ خلاله التطرّق إلى مسألة تلوّث المحيطات.
فكان الإقرار منذ البداية بأنّ معارفنا تبقى محدودة قياساً إلى أهمية المحيطات، لأن الواقع هو أن المحيطات ما زالت غير مستكشفة نسبياً. ومن ثم فالأمر يقتضي القيام بصياغة سياسات وتدابير مستدامة تستند إلى النظام الإيكولوجي في ما يتعلق بالمحيطات والسواحل، تدعمها العلوم التي تشمل البحوث وعمليات الرصد. وعلى مدى أكثر من 50 عاماً، عززت لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات التعاون الدولي والبحوث المنسقة والخدمات وبناء القدرات، وذلك لاكتشاف المزيد في ما يخص المحيطات والمناطق الساحلية وتوليد المعارف من أجل تحسين إدارة البيئة البحرية وحمايتها على نحو مستدام. كما وفرت هذه اللجنة قاعدة من الأدلة لاستخدامها في عملية صنع القرار التي تجريها الدول الأعضاء فيها.
ومثّل هذا الاجتماع فرصة لتحديد مبادئ توجيهية جديدة بشأن الأولويات في مجال العلوم المعنية بالسواحل والمحيطات من أجل تحقيق الاستدامة العالمية. ومع وضع ذلك في الحسبان، أسهمت أربع وكالات تابعة لمنظومة الأمم المتحدة بخبراتها لصياغة مجموعة من المقترحات في مجال المحيطات، كما أنها وفرت سياقاً للمناقشات التي تجرى في ذلك المجال، وذلك من خلال تحليل التحديات الراهنة في ما يتعلق بإدارة المحيطات والمناطق الساحلية حول العالم، وهو التحليل المعنون « الخطة التفصيلية المعنية بالاستدامة البحرية والساحلية ».
وهناك فرص مستجدة للمجتمع العالمي لتعزيز إسهام المحيطات في تحقيق التنمية المستدامة وزيادة الاعتراف بمفهوم « الاقتصاد الأخضر » والطاقة الزرقاء المتجددة والموارد البيولوجية الوراثية وخدمات النظام الإيكولوجي ومكانة المحيطات في النظم الأرضية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وتؤدي الصناعات القائمة دوراً رئيسياً في تحديد الفرص المستجدة، مثل الجهود المبذولة في مجال الصناعة الملاحية الرامية إلى الحد من الآثار المناخية الناجمة عنها. كما تنبه الحث إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية المتسبّبة في تغذية التلوّث فكان البحث عن مسألة النفايات النوويّة الناجمة عن تخصيب الأيورانيوم، وقد ذُكر نموذجا يتحدّث عن أنّ عاصفة ممطرة، ساقت إلى البحر بعض النفايات المدفونة في نهر من أنهر أمريكا الوسطى، هذا إضافة إلى الأنشطة البشريّة، ومياه الصرف الصحيّ، وما ينجم عنها من تلوّث مباشر للبحار والمحيطات، فجلّ الفضلات تجد نهايتها جوف المياه البحريّة، ما يعني تلوّث هذه المياه وتلوّث ما تحويه من ثروات طبيعيّة، فتنتهي المسألة في خطّها الأخير إلى تعرّض الإنسان إلى العديد من الأمراض، ويصبح مهدّدا في أهمّ مصدر من مصادر عيشه. فيمكن للتلوّث أن يحدث خللاً في بعض الأنظمة الايكولوجية، قد نفقد العديد من الأنواع الحيوانيّة تماما جرّاء تلوّث المساحات المائيّة التّي تعيش فيها.. فبعض المناطق البحريّة أصبحت اليوم تسمّى بالمناطق الميّتة نظرا إلى أنّ التلوّث ساهم فيها بنقص في مادة الأكسجين المادة الأولى للحياة.
فكان التنصيص على ضرورة أن تتضافر جهودنا من أجل حماية محيطاتنا من غول التلوّث. ويقتضي تحقيق هذا الهدف المشترك على الصعيد العالمي القيام بعمل جماعي. ونحن قادرون معاً أن نحدث تغييراً في هذا الصدد، وذلك من خلال فهم القضايا ذات الصلة والتركيز على الحلول المستدامة التي يمكن تطبيقها في حياتنا عندما تتشارك أحلامنا وأفكارنا.
المصدر: مندوبية ليبيا استناداً لما صدر عن اليونسكو