إعداد وثيقة تقنينية عالمية بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي؛ بند على جدول أعمال لجنة التربية بالمؤتمر العام لليونسكو
2013/08/14
في وقت يزداد فيه الحراك الأكاديمي مع تنامي حركة العولمة في العالم، بات المجتمع الدولي يولي المزيد من الاهتمام لمسألتَي ضمان الجودة والاعتراف بالمؤهلات في مجال التعليم العالي. وأعدت اليونسكو حتى الآن ست وثائق تقنينية بشأن الاعتراف بدراسات التعليم العالي ومؤهلاته يتسم معظمها بطابع إقليمي. وسُجل في السنوات الأخيرة تراجع في اهتمام الدول الأعضاء بالاتفاقيات الإقليمية ذلك لأن الاتفاقيات التي اعتُمدت على الصعيد الإقليمي في السبعينات والثمانينات لا تتماشى مع الديناميات الجديدة التي يشهدها التعليم العالي. وأعرب عدد كبير من الدول الأعضاء عن تأييده لفكرة إعداد اتفاقية عالمية بشأن التعليم العالي تتيح استكمال الاتفاقيات والتوصيات القائمة وتدعيمها وتضمن تعزيز الدور الريادي الذي تؤديه اليونسكو في هذا المجال.
وبمناسبة مؤتمر الدول الدولي الذي عُقد في نوفمبر 2011 لمراجعة الاتفاقية الإقليمية الخاصة بالاعتراف بمؤهلات التعليم العالي في آسيا والمحيط الهادي، أعربت الدول الأعضاء عن تأييدها لإجراء دراسة جدوى في اليونسكو بشأن إعداد اتفاقية عالمية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي. وأُجريت هذه الدراسة في عام 2012 وأعقبها اجتماع دولي للخبراء نظمته اليونسكو للبحث في جدوى إعداد وثيقة تقنينية جديدة بشأن التعليم العالي وفي مدى استصواب هذه الخطوة (نانجينغ، جمهورية الصين الشعبية، 30-31 أكتوبر 2012). وأُعدت الدراسة الواردة في هذه الوثيقة على أساس المداولات التي جرت خلال اجتماع الخبراء، وهي تتناول الجوانب التقنية والقانونية لمدى استصواب إعداد وثيقة تقنينية عالمية بشأن التعليم العالي بغية تمكين المجلس التنفيذي من إبداء ملاحظاته في هذا الشأن والبت فيما إذا كان ينبغي إدراج هذه المسألة في جدول الأعمال المؤقت للدورة السابعة والثلاثين للمؤتمر العام.
الوثائق التقنينية الدولية القائمة
اعتمدت اليونسكو عدة وثائق قانونية تحدد المبادئ والمعايير التي تحكم عملية الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي على الصعيدين الإقليمي والأقاليمي. وتتمثل هذه الوثائق فيما يلي:
- الاتفاقية الإقليمية الخاصة بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في أمريكا اللاتينية والكاريبي (1974)؛
- الاتفاقية الدولية الخاصة بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في الدول العربية والدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط (1976)؛
- الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في الدول العربية (1978)؛
- الاتفاقية الإقليمية الخاصة بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في الدول الأفريقية (1981)؛
- الاتفاقية الإقليمية الخاصة بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في آسيا والمحيط الهادي (1983)؛
- الاتفاقية المشتركة بين مجلس أوروبا واليونسكو بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي في منطقة أوروبا (1997؛ تُعرف هذه الاتفاقية باسم « اتفاقية لشبونة »)؛
- الاتفاقية الإقليمية الخاصة بالاعتراف بمؤهلات التعليم العالي في آسيا والمحيط الهادي (2011؛ ستدخل هذه الاتفاقية حيز النفاذ بعد مرور شهر على تاريخ إيداع خامس وثيقة تصديق)؛
- التوصية بشأن الاعتراف بدراسات التعليم العالي ومؤهلاته (1993).
وتشكل الاتفاقيات المذكورة إطاراً قانونياً فريداً من نوعه وقد حظيت بتصديق 140 دولةً عضواً في المجموع، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الدول قدمت وثائق تصديق أو انضمام أو موافقة بشأن عدة اتفاقيات. وترمي هذه الوثائق التقنينية إلى الإسهام في صون وتدعيم الهوية الثقافية والتنوع الثقافي لنظم التعليم الوطنية، وهي تعترف بأن الحق في التعليم هو حق من حقوق الإنسان وأن التعليم العالي يشكل ثروة ثقافية وعلمية فريدة من نوعها بالنسبة إلى الأفراد والمجتمع على حد سواء. وتفيد الاتفاقيات الوارد ذكرها أعلاه بأن الاعتراف بالدراسات والشهادات والمؤهلات هو أحد الشروط الأساسية لضمان استخدام الوسائل التربوية المتاحة في بلد ما بأكبر قدر ممكن من الفعالية لتشجيع التعلّم مدى الحياة، وتعميم التعليم، واعتماد وتطبيق سياسات تربوية تتلاءم مع التحولات البنيوية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية وتتماشى مع السياق الثقافي لكل بلد. وتركز الاتفاقيات على ضمان الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي فيما بين الدول الأطراف لأغراض أكاديمية ومهنية، وذلك مع مراعاة أحكام التشريعات الوطنية. ومن الجدير بالذكر أن الاتفاقيات تنص حصراً في الوقت الراهن على الاعتراف المتبادل للدول الأطراف بالمؤهلات الصادرة عن المؤسسات التي تشكل جزءاً من النظام التعليمي في الدول الأعضاء.
ويوجد عدد من الفروق بين الاتفاقيات القائمة. وشكّل اعتماد اتفاقية لشبونة (1997) منعطفاً بالغ الأهمية في ممارسات الاعتراف بالمؤهلات. فهذه الاتفاقية أعطت مقدمي الطلبات المزيد من الحقوق؛ وأدخلت مبدأً جديداً يقضي بمنح الاعتراف إلا في حالة وجود « فروق كبيرة » تحول دون ذلك؛ وشددت على أهمية الانتفاع بمعلومات موثوق بها تتسم بالشفافية، وأهمية إقامة الشبكات على مستوى الخبراء. وأخيراً، أفضت اتفاقية لشبونة إلى اعتماد عدد من النصوص الفرعية. وازدادت الفروق بين الاتفاقيات الإقليمية نتيجةً لما سُجل من تطورات في سياسات التعليم العالي على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك إنشاء مجالات للتعليم العالي على المستوى الإقليمي من خلال عدة آليات منها عملية بولونيا في أوروبا واستراتيجية التنسيق الخاصة بالاتحاد الأفريقي والتي ترمي إلى إنشاء مجال للتعليم العالي والبحوث على نطاق القارة الأفريقية.
وشكلت اتفاقية لشبونة نقطة انطلاق لجيل جديد من الاتفاقيات لأنها عززت الوعي بأهمية توافر وثيقة تقنينية تعالج مسألة الاعتراف بالمؤهلات استناداً إلى نهوج أكثر مرونةً وذات طابع عملي أكبر. وأوصى منتدى اليونسكو العالمي المعني بضمان جودة شهادات التعليم العالي واعتمادها والاعتراف بها على الصعيد الدولي لعام 2002 بمراجعة الاتفاقيات على هذا الأساس في جميع المناطق. وبالنظر إلى اعتماد الاتفاق العام لمنظمة التجارة العالمية المتعلق بتجارة الخدمات، وإلى الآثار التي ترتبت على هذا الاتفاق فيما يخص التعليم العالي الموفر عبر الحدود، فإن الحاجة إلى تدعيم الاتفاقيات القائمة لمراعاة التعليم بوصفه خدمة يتعين تحريرها وتنظيمها استناداً إلى القواعد التجارية باتت أكثر إلحاحاً.
وإضافةً إلى ذلك، عكست خطوة مراجعة الاتفاقيات الحاجة إلى الاستجابة بالطريقة المناسبة للديناميات الجديدة التي يشهدها التعليم العالي في عالم تسوده العولمة وفي مجتمع المعرفة الخاص بالقرن الحادي والعشرين، وهو أمر تم التشديد عليه خلال مؤتمر اليونسكو العالمي للتعليم العالي في عام 2009.
تحديات جديدة
برزت عدة تحديات جديدة على الصعيد الدولي منذ اعتماد الاتفاقيات الإقليمية الخاصة بالاعتراف بمؤهلات التعليم العالي. وتتصف هذه التحديات بأنها تتخطى الحدود الوطنية والإقليمية وأنها تستلزم استجابة عالمية لتمكين المجتمعات من إحراز المزيد من التقدم في مجال الاستدامة ومن تعزيز قدرتها على الصمود والتكيف.
وكان للعولمة التي تمثل إحدى السمات الرئيسية للقرن الحادي والعشرين تأثير كبير على التعليم العالي. فازدياد أوجه التكامل بين اقتصادات العالم، واستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وظهور شبكة دولية للمعارف، هي كلها من العوامل التي تؤثر في التعليم العالي. ويعتبر البعض أن تأثير العولمة على التعليم العالي يقدّم فرصاً جديدةً مثيرةً للاهتمام على صعيد الدراسات والبحوث التي لم تعد محصورة ضمن نطاق الحدود الوطنية. وبالنظر إلى البيانات التي تفيد بأن 2.5 مليون طالب كانوا ملتحقين بالتعليم العالي خارج بلدهم الأصلي في عام 2009، وإلى الأعداد التي لا تُحصى للعلماء والشهادات والجامعات الذين يتنقلون بحرية في شتى أنحاء العالم، فإن الحاجة إلى التعاون وإلى إبرام الاتفاقات على الصعيد الدولي باتت، على أقل تقدير، حاجة ملحّة. ومن المتوقع أن يشهد الحراك الأكاديمي الدولي المزيد من التوسع إذ تشير التقديرات إلى أن عدد الطلبة الدوليين قد يصل إلى سبعة ملايين طالب بحلول عام 2020. وثمة ما يدل على أن غالبية الطلبة الذين يغادرون بلدهم يفعلون ذلك للدراسة خارج منطقتهم الأصلية، وهو أمر ينطبق على جميع المناطق باستثناء منطقتَي أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.
جانب تنقّل الطلبة فيما بين المناطق، يُسجل تزايد ملحوظ في حراك القوى العاملة على الصعيد الدولي. ويعمد الكثير من الطلبة الدوليين إلى البقاء في البلد المضيف للعمل فيه بدلاً من العودة إلى بلدهم الأصلي عند إتمام دراساتهم في الخارج. وتشكل الهجرة الدولية من البلدان النامية (بلدان الجنوب) إلى البلدان المتقدمة (بلدان الشمال) 33٪ من العدد الإجمالي لحركات الهجرة على الصعيد العالمي. وتمثل الهجرة فيما بين بلدان الجنوب النامية نسبة مماثلة من مجموع حركات الهجرة على مستوى العالم (32٪). أما نسبة الهجرة فيما بين بلدان الشمال، فهي أقل من النسبتين المذكورتين بقليل (28٪). وفي حين يتوجه معظم المهاجرين من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال نحو أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن حركات الهجرة فيما بين بلدان الشمال تتم بصورة رئيسية داخل أوروبا وعبر المحيط الأطلسي.
وفيما يخص عملية إضفاء الطابع الدولي على التعليم العالي التي تقوم على تطبيق الجامعات والحكومات لمجموعة متنوعة من السياسات والبرامج والتدابير للاستجابة للعولمة، بما في ذلك إرسال الطلبة للدراسة في الخارج، وإنشاء فروع للمؤسسات الوطنية في الخارج، والمشاركة في الشراكات القائمة بين المؤسسات، فتشهد انتشاراً كبيراً على الصعيدين الإقليمي والدولي. وسُجل خلال العقد الماضي ارتفاع هائل في عدد البرامج والمؤسسات التي تعمل على الصعيد الدولي. وتشير البيانات إلى أن أنشطة التعليم العالي الموفر عبر الحدود تزداد بانتظام بمختلف أشكالها، بدءاً بالدورات الدراسية التي تقدمها الفروع والجامعات في الخارج بموجب اتفاقات امتياز، وانتهاءً بالتعلّم عبر الحدود باستخدام الوسائل الإلكترونية. ويشهد التعلّم المفتوح والتعلّم عن بعد، وكذلك التعلّم بالوسائل الإلكترونية، تنوعاً متزايداً. وقد ولّدت حركة الموارد التعليمية المفتوحة في الفترة الأخيرة ظاهرة تُعرف بالإنجليزية باسم « Massive Open Online Courses » (MOOCs) أو « الدورات الدراسية المفتوحة وذات المشاركة الكثيفة على الإنترنت ». ويعتبر البعض أن هذه الدورات الدراسية هي رمز قوي للديناميات الجديدة في قطاع التعليم العالي.
ولا بد للتدابير الرامية إلى إضفاء الطابع الدولي على عمليتَي الاعتراف بالمؤهلات وضمان الجودة من أن تعالج التحديات المتنامية التي تواجهها النظم والمؤسسات الخاصة بالتعليم العالي على صعيد السياسات نتيجةً للاتجاهات العالمية المرتبطة بقطاع التعليم العالي ولتغير النماذج المعتمدة في هذا القطاع. ومن شأن الوثيقة التقنينية العالمية موضوع الدراسة الأولية أن توفر إطاراً دولياً للديناميات الجديدة المذكورة وأن تؤدي دوراً ريادياً في تيسير تبادل الممارسات الجيدة فيما بين المناطق لتنمية القدرات في مجال الاعتراف بالمؤهلات وضمان الجودة.
وتدل الشواهد المقدمة أعلاه على الحاجة الملحّة إلى توافر إطار دولي للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي. وبالتالي، فإن قرار اليونسكو القاضي باستكشاف جدوى إعداد وثيقة تقنينية عالمية بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي يأتي في الوقت المناسب.
المسوغات والأهداف والمبادئ الأساسية والتحديات المتعلقة بإعداد وثيقة تقنينية جديدة
تعود الغالبية العظمى لأحدث عمليات التصديق على الاتفاقيات الإقليمية إلى فترة التسعينات. فباستثناء اتفاقية لشبونة، حظيت الاتفاقيات الإقليمية القائمة بتصديق ما يقل عن عشر دول أعضاء خلال القرن الحادي والعشرين. وتجدر الإشارة إلى أن تراجع مستوى الالتزام والوعي والاهتمام بالاتفاقيات الخاصة بالاعتراف بمؤهلات التعليم العالي خارج منطقة أوروبا يتجلى أيضاً في تدني معدل الرد (20 دولةً عضواً تقع بصورة رئيسية في أوروبا) على الاستبيان الذي أرسلته اليونسكو إلى الدول الأعضاء خلال عام 2010 في إطار عملية رصد تطبيق التوصية بشأن الاعتراف بدراسات التعليم العالي ومؤهلاته (1993).
وعلى الرغم من تراجع الالتزام بالاتفاقيات الإقليمية التي اعتُمدت في السبعينات والثمانينات، فإن الدول الأعضاء تعي أهمية الاعتراف المتبادل بمؤهلات التعليم العالي. فهذه الأهمية تزداد في الواقع على نحو مستمر نتيجةً لعدة أمور، ولاسيما ازدياد قوة الروابط بعملية ضمان الجودة في شتى أنحاء العالم. ومثلما أظهره مؤتمر اليونسكو العالمي للتعليم العالي لعام 2009، فإن قطاع التعليم العالي يشهد ديناميات جديدة في ضوء تزايد عولمة مجتمع المعرفة في القرن الحادي والعشرين. وتقضي الاتجاهات والنماذج المتغيرة على صعيد الحراك الأكاديمي وحراك القوى العاملة الآخذين في التنامي باتّباع مجموعة من النهوج الجديدة فيما يتعلق بالاعتراف المتبادل بمؤهلات التعليم العالي. وتُعتبر هذه الاتجاهات والنماذج من أبرز الأسباب الداعية إلى وضع إطار عالمي للاعتراف المتبادل بمؤهلات التعليم العالي عبر الحدود الإقليمية. وتستلزم التغيرات التي سُجلت حديثاً توافر أدوات محدثة للاعتراف بالمؤهلات تكون مرتبطة بما يتم وضعه وتدعيمه من أساليب ضمان الجودة وأطر المؤهلات وأدوات ضمان الشفافية.
وقام عدد من الخبراء بمناقشة جدوى إعداد وثيقة تقنينية عالمية في شكل اتفاقية خلال لقاءات نُظِّمت على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وجرى البحث في هذه المسألة في إطار اجتماعات إقليمية وهي:
1- الدورة الحادية عشرة للجنة الاقليمية المعنية بالاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته ودرجاته العلمية في آسيا والمحيط الهادي، وحلقة التدارس الخاصة بالخبراء بشأن مراكز الاعلام الوطنية (جمهورية كوريا، 23-24 مايو 2012؛
2- الاجتماع المشترك التاسع عشر بين الشبكة الأوروبية لمراكز الاعلام بشأن الاعتراف بالدراسات وتيسير الحراك الأكاديمي وشبكة مراكز الاعلام الوطنية المعنية بالاعتراف بالدراسات الجامعية؛ والمؤتمر الذي عقدته اللجنة المعنية بالاتفاقية المشتركة بين مجلس أوروبا واليونسكو بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي في منطقة أوروبا بمناسبة ذكرى مرور 15 عاماً على اعتماد الاتفاقية (طليطلة، 17-20 يونيو 2012؛
3- المؤتمر الدولي الخامس بشأن ضمان الجودة في مجال التعليم العالي بأفريقيا وحلقة العمل لبناء القدرات المتصلة بالمؤتمر؛ والجمعية العامة للشبكة الأفريقية لضمان الجودة (أبيدجان، ساحل العاج، 10-14 سبتمبر 2012).
وقام خبراء من المناطق الخمس التي تُعنى بها اليونسكو بمناقشة الخطوات المقبلة المرتبطة بدراسة الجدوى الخاصة بإعداد اتفاقية عالمية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي. وتم ذلك خلال اجتماع الخبراء الدولي الذي عُقد بشأن دراسة الجدوى المذكورة (نانجينغ، جمهورية الصين الشعبية، 30-31 أكتوبر 2012). وبحث الخبراء في الإسهامات الإقليمية التي تم جمعها في إطار استقصاء، كما حددوا القضايا العالقة وقدموا توصية نهائية إلى اليونسكو.
وتؤكد الإسهامات الإقليمية التي تم جمعها في سياق التحضير للاجتماع الذي عُقد في الصين أن فكرة إعداد وثيقة تقنينية عالمية في شكل اتفاقية تحظى بتأييد كبير. فنسبة الجهات التي أعربت في الاستقصاء عن تأييدها لفكرة إعداد اتفاقية من هذا النوع بلغت 92% في آسيا والمحيط الهادي، و 75% في أفريقيا، و 53% في المنطقة العربية. وفي أوروبا، أيدت 21 جهة من الجهات الإحدى والثلاثين التي شاركت في الاستقصاء فكرة إعداد اتفاقية عالمية، ولكن بشروط محددة. أما في أمريكا اللاتينية والكاريبي، فتشير الإجابات الخاصة بالاستقصاء إلى وجود تأييد قوي لمسألة إعداد اتفاقية عالمية.
وتبيّن عند تحليل إجابات الجهات التي شاركت في الاستقصاء أن إعداد اتفاقية عالمية بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي سيتيح التصدي للتحديات الناجمة عن ازدياد الطابع الدولي للتعليم العالي والحراك المتنامي للطلبة والخريجين وأعضاء هيئات التدريس والمهنيين، وللقوى العاملة في سوق العمل العالمي. وتبيّن أيضاً أن الاتفاقية العالمية المذكورة ستضمن معالجة التعلّم على الإنترنت، والتعليم العالي الموفر عبر الحدود، والتعليم العالي الخاص، والتعلّم « الافتراضي »، وستساعد على تحديد مبادئ الاعتراف الأساسية التي ستدعم عمليات التطوير على الصعيدين الوطني والإقليمي، ولاسيما العمليات الرامية إلى وضع آليات لضمان الجودة تكون مماثلة للآليات المعتمدة في أنحاء أخرى من العالم ومتوافقة معها، وهو أمر سيكفل تيسير إجراءات الاعتراف وسبل الانتفاع بمعلومات موثوق بها تتسم بالشفافية.
وفي منطقة أوروبا وأمريكا الشمالية التي تصل فيها نسبة التصديق على اتفاقية لشبونة إلى 100% تقريباً، اعتُبرت خطوة إعداد وثيقة تقنينية عالمية بمثابة « بيان سياسي » إيجابي. وأوصي باعتماد بنى تنفيذية على الصعيد المحلي أو الإقليمي وباعتبار التصديق على الاتفاقيات الإقليمية جزءاً من الالتزام بالوثيقة التقنينية العالمية المعنية. وأُفيد في منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي بأنه ينبغي الحفاظ على إجراءات الاعتراف الإقليمي والثنائي لأن من شأن هذه الإجراءات أن تعزز عملية الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي على الصعيد العالمي.
ومثلما ذُكر أعلاه، تحظى فكرة إعداد وثيقة تقنينية عالمية في شكل اتفاقية بتأييد كبير في جميع المناطق التي تمت استشارتها، علماً بأنه توجد فروق طفيفة في مواقف المناطق. وفي حين اعتبر عدد من الجهات الأوروبية التي شاركت في الاستقصاء أن خطوة إعداد اتفاقية عالمية قد تضعف اتفاقية لشبونة، فإن دولاً أعضاء أوروبية أخرى أيدت من دون تحفظ فكرة إعداد اتفاقية عالمية لتعزيز قضايا الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي على الصعيد العالمي.
وستكون الوثيقة التقنينية الجديدة المقترحة في شكل اتفاقية ملزمة من الناحية القانونية وذات طابع عالمي تكفل قدراً من المرونة والاعتراف للاتفاقات الإقليمية. وستتمثل الأهداف الرئيسية للاتفاقية العالمية فيما يلي:
- تحديد مبادئ شاملة تبرِز القيم المشتركة بين جميع المناطق، وتوفير نصوص فرعية لمعالجة الاحتياجات المحددة لكل منطقة؛
- الارتكاز على الاتفاقيات الإقليمية الناجحة والتي تتسم بتشغيل عملي فعال؛
- توفير الإطار الذي لا بد من توافره لضمان الاعتراف بالمؤهلات على الصعيد الدولي، وتعزيز الثقة المتبادلة بين المناطق؛
- توفير أداة يمكن استخدامها في المناطق التي لا تُطبَّق فيها الاتفاقيات الإقليمية أو التي يقترن فيها التشغيل العملي للاتفاقيات الإقليمية بأوجه قصور محددة؛
- توفير آلية لمساعدة الدول الأعضاء، ولا سيما البلدان الصغيرة والأقل تقدماً من غيرها أو البلدان التي لا تتوافر فيها أطر خاصة بالمؤهلات أو مراكز إعلام وطنية أو آليات لضمان الجودة.
وسترتكز الوثيقة التقنينية الجديدة المقترحة على المبادئ الأساسية التالية:
- صون الهوية الثقافية والتنوع الثقافي لشعوب العالم وتدعيمهما، واحترام السمات الخاصة للنظم الوطنية للتعليم العالي؛
- الاعتراف بأن الحق في التعليم هو حق من حقوق الإنسان وأن التعليم العالي يشكل ثروة ثقافية وعلمية فريدة من نوعها بالنسبة إلى الأفراد والمجتمع على حد سواء؛
- تعزيز التعاون الدولي في مجال التعليم العالي عن طريق إزالة العقبات التي تعرقل حراك الطلبة والأكاديميين؛
- تعزيز الاعتراف المنصف بمؤهلات التعليم العالي؛
- تشجيع التعلّم مدى الحياة، وتعميم التعليم، واعتماد وتطبيق سياسات تربوية تتلاءم مع التحولات البنيوية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية وتتماشى مع السياق الثقافي لكل بلد.
وإلى جانب ذلك، فإن التحليل الذي أُجري لمقارنة مخاطر إعداد وثيقة تقنينية عالمية بمخاطر عدم توافر وثيقة من هذا النوع سلط الضوء على الطابع المعقد الذي تتسم به عامةً عملية تطبيق اتفاقيات اليونسكو بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي، سواء أكانت إقليمية أم عالمية. وتبيّن أن خطوة إعداد الوثيقة التقنينية العالمية المعنية تقترن بأربع فئات رئيسية من التحديات تتصل بمسائل أكاديمية، وأخلاقية، وسياسية، وبالموارد المالية والبشرية.
وفيما يخص التحديات الأكاديمية المتعلقة بإعداد الوثيقة التقنينية العالمية، فترتبط بصورة رئيسية بالتنوع الكبير لنظم التعليم العالي في العالم وبمختلف الثقافات والتقاليد القائمة. وإضافةً إلى ذلك، ثمة فروق كبيرة في مدى تطور آليات ضمان الجودة، وأطر المؤهلات، وإجراءات تقييم نتائج التعلّم، ومراكز الإعلام الوطنية، التي تُعتبر شروطاً أساسيةً لتوافر ممارسات موثوق بها في مجال الاعتراف المتبادل بالمؤهلات فيما بين الدول. وتُعد الفروق في درجة استقلالية الجامعات عاملاً آخر يزيد من حجم التحديات المذكورة. وتشكل النهوج المختلفة المتّبعة للاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية والمهنية على الصعيد الإقليمي تحدياً ينبغي أن تعالجه الوثيقة التقنينية العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن التحديات الأكاديمية المرتبطة بإعداد الوثيقة التقنينية العالمية تختلف عن التحديات المتعلقة بالاتفاقيات الإقليمية من حيث حجمها، لا من حيث طبيعتها. وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن تنوع نظم التعليم العالي وإجراءات الاعتراف بالمؤهلات وأساليب ضمان الجودة في أوروبا يوازي تنوع هذه العناصر على الصعيد العالمي. وتتمثل إحدى الوسائل الرئيسية لمعالجة هذا التحدي في تيسير تبادل الممارسات الفعالة فيما بين المناطق، وهو أمر يندرج في نطاق المهام المسندة إلى اليونسكو.
التحديات الأخلاقية (الإنصاف): في حين اعتُبرت ظاهرة هجرة الأدمغة خطراً محتملاً، فإن صون التنوع الثقافي واللغوي والسيادة الوطنية، وضمان مراعاة احتياجات البلدان الصغيرة والبلدان النامية، وصِفا بأنهما تحدٍ ينبغي معالجته. ويتمثل أحد الشواغل الأخرى المتعلقة بالأخلاقيات والإنصاف في الاتجاه نحو إنشاء جامعات ذات مواصفات عالمية، وهو اتجاه تسهم في ترسيخه النظم القائمة لتصنيف الجامعات على الصعيد العالمي. وفيما يتعلق بالشهادات والاعتمادات التي يتم إصدارها بناءً على أسس غير سليمة، وحالات الاحتيال الأكاديمي بوجه عام، فتطرح تحديات أخلاقية إضافية بالنسبة إلى عملية إعداد الوثيقة التقنينية العالمية. ومن الضروري بناء بيئات تتيح تعزيز الثقة المتبادلة بين المهنيين المعنيين بالاعتراف بالمؤهلات لمعالجة هذه التحديات. ويُعد تبادل أمثلة الممارسات الجيدة وسيلة فعالة لتعزيز الثقة المتبادلة.
التحديات السياسية: إن توافر إرادة سياسية واضحة لتأييد إضافة وثيقة تقنينية عالمية إلى الاتفاقيات الإقليمية يُعتبر أمراً أساسياً بالنسبة إلى عملية صياغة وثيقة من هذا النوع. والواقع المتمثل في أن اقتراح إجراء دراسة الجدوى قُدِّم خلال مؤتمر دولي للدول شمل جميع المناطق التي تُعنى بها اليونسكو هو إشارة تدل على توافر الإرادة السياسية اللازمة وعلى قناعة الدول بأن الوثيقة التقنينية قيد الدراسة بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي على الصعيد العالمي ستقدّم المزيد من الخيارات للبلدان التي يُحتمل أن تتخلف عن الركب في حال عدم وجود وثيقة تقنينية من هذا النوع. وترتبط بهذا التحدي مسألة إدارة وثيقة تقنينية عالمية وتنظيم شؤونها، ولاسيما رصد تطبيقها وتحديد تأثيرها على الاتفاقيات الإقليمية وعلى النتائج المحققة في إطار هذه الاتفاقيات، وهي أمور لا بد من معالجتها. وسترتكز الوثيقة التقنينية العالمية على الاتفاقيات التي تتميز عن غيرها بنجاحها وبتشغيلها العملي الفعال وستساعد في الوقت عينه على إعطاء زخم جديد للاتفاقيات التي تتسم بأداء ضعيف وبتشغيل عملي محدود الفعالية. ومن الضروري أن تبقى قيادة الوثيقة التقنينية العالمية وملكيتها ضمن نطاق اليونسكو. ويجب في المقابل الحفاظ على الشراكات القائمة مع الهيئات الدولية الحكومية الأخرى لتعزيز التآزر والتضافر.
واعتُبر أن آثار تطبيق الوثيقة التقنينية العالمية على الموارد المالية والبشرية في الدول الأعضاء تشكل تحدياً كبيراً. ويُعد تبادل الموارد والممارسات الجيدة فيما بين المناطق من الوسائل التي تتيح التصدي لهذا التحدي. وإن المناطق الأكثر تقدماً من غيرها مدعوة في هذا الصدد إلى دعم المناطق الأقل تقدماً وتبادل الموارد والممارسات الجيدة معها.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن التحديات المرتبطة بمسائل أكاديمية وأخلاقية وسياسية وبالموارد المالية والبشرية التي تطرحها عملية إعداد الوثيقة التقنينية العالمية قيد الدراسة تختلف عن التحديات المرتبطة بالاتفاقيات الإقليمية من حيث الحجم فقط. وتتوافر مجموعة متنوعة من الأدوات والممارسات الفعالة التي يمكن استخدامها وتبادلها فيما بين المناطق لمعالجة هذه التحديات. ومن شأن تعزيز الثقة المتبادلة وبناء قدرات البلدان الأقل تقدماً أن يساعدا على تخطي التحديات الأكاديمية. ويمكن معالجة التحديات الأخلاقية عن طريق الارتكاز إلى المبادئ التي ستستند إليها الوثيقة التقنينية العالمية. وسوف تتم مراعاة الخصوصيات الإقليمية من خلال نصوص فرعية. ويتعين تأمين الالتزام السياسي اللازم لأن عملية تحليل المخاطر أوضحت أن عدم توافر وثيقة تقنينية عالمية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي يؤثر سلباً في حراك الطلبة والأكاديميين لأسباب عدة، ولاسيما بسبب استخدام معايير ومبادئ مختلفة لأغراض الاعتراف بالمؤهلات المكتسبة في مختلف المناطق. وستكون إمكانية بناء الثقة المتبادلة محدودة جداً في حال عدم توافر وثيقة تقنينية عالمية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي.
وإن اليونسكو ملتزمة بتولي قيادة عملية إعداد الوثيقة التقنينية وبتنفيذ هذه العملية. ولا يمكن التقليل من الدور الذي تؤديه الأمانة في مجال الرصد من خلال عقد اجتماعات منتظمة والاضطلاع بأنشطة لبناء القدرات وإقامة الشبكات، وهو أمر ينطبق على الاتفاقيات الأخرى لليونسكو. وسوف يتم استكشاف أساليب تمويل مختلفة تشمل تخصيص موارد من البرنامج العادي للوثيقة التقنينية العالمية وإنشاء صندوق خاص لهذه الوثيقة.
الخلاصة
أن إعداد وثيقة تقنينية عالمية تتخذ تحديداً شكل اتفاقية لضمان الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي هو أمر ممكن ومستحسن على حد سواء. ويُستحسن إعداد وثيقة تقنينية جديدة من هذا النوع لأن أنشطة التعليم العالي تتنوع بسرعة في شتى أنحاء العالم ولأن الطلبة والعاملين الذين اكتسبوا مؤهلات على مستوى التعليم العالي باتوا يتنقلون على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ولا يتوافر في الوقت الراهن إطار عالمي يكفل الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي. وستستفيد الاتفاقية العالمية بشأن الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي من الأعمال التي تم الاضطلاع بها على مدى عقود من الزمن لإعداد اتفاقيات الاعتراف الإقليمية ولتطبيقها. وسوف ترتكز على ما وضِع على مدى السنين من أدوات ساعدت على تيسير تطبيق المعايير والإجراءات الخاصة بالاعتراف بالمؤهلات. وأظهر الاستقصاء الذي أُجري لأغراض دراسة الجدوى أن غالبية الجهات الأكثر اطلاعاً على إجراءات الاعتراف بالمؤهلات تؤيد بشدة خطوة إعداد وثيقة تقنينية عالمية في هذا المجال.
المصدر: اليونسكو (بتصرف)